السبت، 6 أكتوبر 2012


هل يتسيّد رجل الدين المشهد والمثقف يتبعه ؟

القاهرة – محمد الحمامصي
تونس – حذام خريف – عبد المجيد دقنيش
بروكسل- طاهر علوان

مابين الديني والسياسي يقف المثقف العربي في الفاصلة التي ليس له من بديل سوى التعاطي معها بشكل ما، فاصلة تتعلق بكينونته كمثقف وبمنجزه وبأدواره التي طالما تطلع هو والمجتمع إليها.

فسؤال الأدوار المغيبة للمثقفين كان على الدوام هو السؤال الأكثر إلحاحا في ظل حملات الإسكات وتكميم الأفواه التي مارسها النظام السياسي العربي بألوانه وأشكاله المختلفة في حكم الشعوب.

ووسط هذا، ربما لم يكن المثقف العربي يتوقع أنه سيكون في عين العاصفة في ظل اهتزازت ومتغيرات لم يكن يتوقع أنها ستكون بهذا الشكل العاصف الذي شهده ويشهده العالم العربي اليوم ومع هذه الهزات سيتضاعف السؤال مجددا عن دور المثقف وادائه ومنجزه وهو يواكب مثلا ماعرف بالربيع العربي.

ومما لاشك فيه أن المثقف اليوم ليس بمعزل عن سؤال الجماهير العريضة ووسائل الإعلام والمحللين عن ظاهرة مابعد الثورات العربية الممثلة في صعود ماعرف بالإسلام السياسي، عندما وصلت الى سدة الحكم أحزاب وتيارات وجماعات إسلامية كانت بالأمس هي المطارة وتغص بها السجون وإذا بها اليوم مطالبة بالإصلاح والتغيير ومكافحة الفساد والمفسدين وإطلاق الطاقات للعمل والإبداع وتوفير الحياة الكريمة للغالبية العظمى من الطبقات المسحوقة.

لكن هذا الصعود المدوي للإسلاميين عبر صناديق الاقتراع ربما خلخل قناعات المثقف في بحثه عن بديل، فها هو قد خرج توا من أجواء الاستبداد والقمع ليجد نفسه أمام أسئلة وشكوك تتعلق بتيارات الإسلام السياسي الصاعدة الى السلطة وهل سيكون من أولوياتها إطلاق طاقات المبدعين أم ممارسة تكميم الأفواه ومصادرة الإرادات بدعاوى التحريم والروادع المفسرة للفتاوى الدينية ؟ هل سينجح في أن يحقق التوازن المطلوب بين إطلاق إبداعه تحت فضاءات الديموقراطية الجديدة أم سينكمش وينكمش إبداعه خوفا من المصادرة والتهميش في شكله الجديد؟ هل سيجد المثقف نفسه أمام نوع جديد من الحكم الثيوقراطي الذي يبحث لنفسه عن شكل يتواءم مع متطلبات الأزمنة الحديثة؟

أسئلة ضمن أسئلة وتحديات عديدة عرضناها على نخبة من المثقفين في العالم العربي فكانت إجاباتهم.

* علي الشرقاوي: لا يمكن فصل الثقافي عن السياسي

رأي الشاعر والكاتب البحريني على الشرقاوي يحمل تعميما على كل من عمل أو يعمل في المجال الثقافي والمرتبط ارتباطا قويا بالعمل السياسي. ويقول "كما تعرف جيدا، لا يمكن فصل الثقافي عن السياسي أبدا. في تصوري الشخصي، مثقف الآن، ليس هامشا لرجل الدين، بل هو هامش لرجل المذهب، الولي الفقيه أو المرشد الروحي أو أمير الجماعة، فإذا كان الدين أكثر اتساعا، فان المذهب أقل عددا، ولكنه الأكثر قدرة على الحركة والأكثر على إغراء الأقلية المظلومة، الأقباط أو الشيعة وغيرهم من الأقليات في عموم الساحة العربية، بالتالي باستطاعته، أي المذهب، استيعاب هذا النمط من المثقفين، العاطلين عن الأفعال الكونية الكبيرة".

ويؤكد أنه من خلال متابعته لأفراد من مثقفي الأجيال السابقة، يرى أن أغلبهم كان يعمل من خلال الأحزاب، للوصول بتجاربه إلى القارئ العربي. لتغيير آرائه في العديد من الأمور التي يختلف فيها مع النظام السياسي في بلاده، لذلك ترى كل من منهم يمثل، بصورة واضحة أو غير واضحة، أحد الأحزاب القوية، بل أكثر من ذلك، تتصارع بعض الأحزاب على جر هذا الشاعر أو الروائي أو المغني أو المسرحي إلى حضنها، عبر الكتابة عنه وعن تجربته المختلفة ومغايرته في طرحه ورؤياه، وبذلك تحاول أن تجعله معبرا عن الجماعة التي صار ينتمي إليها، وأدى ذلك إلى اعتباره بوقا لهذه أو تلك من الأحزاب الوطنية، اليسارية منها واليمنية.

كان الصوت الأقوى للأجيال السابقة هو صوت المثقف اليساري، الذي امتلك أكثر من غيره، أدلة التحليل الماركسية "الديلكتيك الماركسي" وهي أداة لا يملكها المثقفون الآخرون، كالقوميين وأتباع الحركات الإسلامية، لكن المثقف اليساري، أو كما يدعى بالمثقف الثوري، أصبح مرئيا ومعروفا في ثورات التحرر الوطني، ليس في الوطن العربي فقط، إنما في كل قارات العالم، بعد تراجع موجة الأحزاب السياسية اليسارية في الوطن العربي عبر ضربها بصورة مدروسة ،و في كل الأنظمة، وبالذات الأنظمة العسكرية التي تحولت الي جمهوريات، مدعومة بشعارات وهمية، ومغطاة بأكاذيب لا حصر لها، على أنها أحلام الإنسان العربي البسيط، إنسان الشاعر والعامل والفلاح".

ويوضح الشرقاوي أنه "عبر هذا الضرب الدائم، لم يعد أمامها، غير التحول إلى شلل لا تستطيع الدفاع عن نفسها ولا تستطيع دعم كوادرها، المطاردين من زوار الليل والطرد من الوظائف ومصادرة حياتهم. فبقى المثقف وحيدا لا يملك أن يدافع عن نفسه. محبطا من تراجع الأحزاب التي لا تسطيع أن تؤمن قوت عياله إن دخل السجن أو أبعد في المنفى.

*إدريس الواغيش: الحاكم يحتاج إلى المثقف

يؤكد الشاعر والباحث المغربي د.إدريس الواغيش أن كل حاكم يحتاج إلى مقومات بقائه ومن بينها المثقف، لأنه الأقرب إلى الخطيئة ، فيعمل جاهدا على احتوائه بكل الوسائل، لذلك وجد البعض أنفسهم في هذه المرحلة الجديدة تائهين أمام مساحات شاسعة من بياض المراهنات، وظهرت عينة أخرى منهم مستعدة للمرحلة الملتحية، مؤمنة بأنه ليس بالضرورة أن يكون المثقف "ة" خمارا أو يساريا أو حتى صعلوكا".

ويضيف "كل الثورات في العالم أفرحت الشعوب بمولدها وبما ولدته، إلا ربيع "نا" الذي لم يكن عربيا خالصا، فقد جاء بمولود خنثي لا هو بذكر ولا هو بأنثى. فظهرت زعامات ملتحية فجأة وبالتتابع "اليمن- مصر- ليبيا – تونس" وكأن شيئا دبر لها بليل. في السابق كان المثقف العربي يلتحم مع الثورة، بحكم طابعه المنفلت والميال إلى التغيير، فيميل يسارا حيث الثورة. الآن وأمام هذا التعنت الديني، قد يجد المثقف العربي نفسه في خدمة اللحية "الثائرة". وهو نوعان: حقيقي ومزيف، فالحقيقي لن ينساق إلى هامش رجل السياسة كان دينيا أو سياسيا، كما استعصى على الترويض من قبل، ليظل روحا نابضة لوطنه، ومن دونه لن يكون للوطن روحا، سواء في ظل حاكم دين أو حاكم سياسة.

لكن المزيف لن يهون عليه تغيير بوصلته وتحويل قلمه إلى بوق في خدمة الحاكم الجديد، فالمنفعة العمياء ستوجهه إلى حيث فتات الدولارات ونعمة الوالي. فأي علاقة ستربط رجل الدين/ الحاكم بالمثقف في المرحلة المقبلة ؟ رجل السياسة كان يغرق المثقفين سابقا بالهدايا والعطايا والسفريات، فبم سيغري الحاكم بأمر الله هؤلاء المثقفين اليوم؟. وهل سينحاز المثقفون إلى الوطن أم إلى رجال الدين، وقد انحاز بعضهم سابقا إلى رجال السياسة؟ سؤال سيبقى معلقا إلى أن تجيب عنه الأيام القادمة".

* علي ناصر كنانة: إما علاقة موالاة أو علاقة استقلالية

يرى الكاتب العراقي علي ناصر كنانة أن السؤال سؤال العلاقة بين الثقافة والسياسة من جهة والثقافة والدين من جهة أخرى، ويضيف "هي إما علاقة موالاة أو علاقة استقلالية. ولكل منهما ثمن: في الأولى الثمن نفعي انتهازي، وفي الثانية ثمنٌ ضدّي مكلف.

وحيثما تكون السلطة تبرز إشكالية العلاقة بين المثقف والسلطة، سواء كانت هذه السلطة بيد السياسي أم بيد رجل الدين، فالاثنان سياسيان ولكن وسائلهما تختلف.

فالسياسي يترك للمثقف حرية التعبير عن شكل تبعيته أما رجل الدين فلا يترك هامشاً للمثقف غير العزلة. أي أن طبيعة العلاقة تتغير حسب طبيعة السلطة. وإنّ لدى السياسي إدراكاً مسبقاً بأن أهدافه وسياسته لن تنجح دون أرضية ثقافية ولهذا فهو يعمل على ترويض المثقف بمختلف الوسائل سواء بشراء الذمم أو بالقمع.

بَيْدَ أن رجل الدين يستعيض عن الثقافة بالدين فالدين هو الثقافة التي يراد تسويقها فقط، وبالتالي لا بدّ من تهميش دور المثقف. وعليه وبوجه عام، فإن المثقفين الانتهازيين الذين لا يتحقق وجودهم إلا من خلال علاقة تبعية بالسياسي هم أنفسهم الذين يندفعون في هذه المرحلة لخدمة رجل الدين السياسي.

وعطفاً على توصيفك فإن الهامشيين أصلاً هم مَن يرتضون أدواراً هامشية. ولكن من المهم الإشارة إلى أن تردي الواقع هو الذى يفرز نماذج متهالكة كهذه، وهي نماذج لا نجدها في مجتمعات تُساس بغير الطريقة التي تُدار بها الأوضاع في بلداننا العربية".

* مصطفى لغتيري: الربيع العربي تم الإجهاز عليه وتهريبه من طرف الحركات الإسلامية

يقول الروائي المغربي مصطفى لغتيري هناك حقيقة ساطعة مفادها أن الربيع العربي تم الإجهاز عليه وتهريبه من طرف الحركات الإسلامية، فرغم أن مساهماتها فيه لم تكن واضحة منذ البداية ولم تظهر إلى العلن إلا في فترات متأخرة، فإنها استطاعت بحكم أنها القوة الأكثر تنظيما في المجتمع أن تهيمن على الساحة السياسة.

رغم أن المطالب التي أدت إلى اندلاع شرارة الربيع العربي لم تكن ذات صبغة دينية وإنما كانت مطالب اجتماعية وسياسية، تطالب بالعيش الكريم وبالحرية، وقد انخرط المثقفون في هذا الحراك العربي بأشكال نضالية متعددة، فإن لم يكن الكثيرون منهم قد نزلوا إلى الشارع فإنهم قد واكبوا الأحداث بالكتابة عنها وتحليلها، وإعطاء وجهات نظرهم في ما يحدث، والانتصار في الغالب الأعم إلى الفئات الشعبية المنتفضة بأحلامها وطموحاتها وهمومها.

ومن الطبيعي جدا بعد استيلاء الإسلاميين على السلطة في جل البلدان العربية بعد إجراء الانتخابات في جو مشحون ومجتمعات تقليدية لازالت تظن أن حل مشاكلها الدنيوية يكمن في الجانب الأخلاقي والديني، أقول من الطبيعي- والحال هاته- أن ترتفع أصوات المتدينين على ما سواها من الأصوات، في محاولة منها، بعد هيمنتها على السياسة، لأن تفرض سطوتها على باقي الميادين الثقافية والاقتصادية والاجتماعية بشكل عام .

طبعا لن يظل المثقف مكتوف الأيدي وسيظل يقاوم الأصولية المتشددة كما قاوم الاستبداد السياسي، وسيرفع صوته محتجا وسيكتب مقالات وقصائد وقصصا وروايات، تنتصر للحرية والتعدد والإيمان بالاختلاف.

* أبو بكر العيادي: كل الدلائل تشير إلى أننا مقبلون على الأسوأ

يرى الروائي التونسي المقيم في باريس أبو بكر العيادي أنّ علاقة الفعل الإبداعي بإيديولوجيا الحركات الأصولية في شتى المعتقدات هي علاقة صدامية. الأولى بشرية المنشأ أي قابلة للخطأ والصواب، عرضة للبس والشبهة، والثانية ربانية المصدر، مستلهمة من قول رب حكيم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، في ما يزعمون. الفعل الإبداعي يقوم على الحرية والخلق والابتكار ولا يرضى لحريته بحدّ، فيما الحركات الإسلامية ترى أن الحرية تسيّب وخروج على طاعة أولي الأمر، وأن الخلق من خصائص الخالق وحده، وأن الأمر يجري بحسبان يضبطه سلفا دعاة تلك الإيديولوجيا.

ومن ثم فلا مكان عندهم لفكر ولا ثقافة عدا التفقه في الدين واجترار ما تركه السلف، الذي وسع علمه كل شيء، وحسبنا أن نعود إلى تراثه للوقوف على أجوبة لجماع أسئلتنا الراهنة.

وحركة النهضة التونسية لا تختلف كثيرا عن تلك التيارات، وإن اختلفت فبالدرجة وليس بالنوع، وقد درجت منذ استيلائها على السلطة "أقول استيلاء، لأن من يشتري أصوات الجياع بأموال الغريب والعدو لا شرعية له "، على الاستعانة بجناحها المتطرف "الميليشيات والسلفيين" في مصادرة الحريات ومطاردة المبدعين وتكفيرهم وترهيبهم وتعنيفهم، بدعوى التطاول على "المقدسات"، وهو مصطلح فضفاض قد يفتح الباب أمام مقاضاة "الجناة" في أحسن الأحوال، وقتلهم أو صلبهم وتقطيعهم من خلاف "على رأي رأس من رؤوس تلك الحركة". 

وكل الدلائل تشير إلى أننا مقبلون على الأسوأ: الإفراج عمّن أشعل أحداث قصر العبدلية ومن أحرق الممتلكات العامة والخاصة والتنديد بأعمال فنية لا وجود لها داخل البلاد، مقاضاة مدير صحيفة وعدم محاسبة من اعتدوا على الإعلاميين والمسرحيين، وخصوصا فتح منابر البلاد لدعاة رجعيين ظلاميين ينشرون الجهل ويدعون إلى الفتنة ويفخرون علانية بمعاداتهم للديمقراطية. 

ولكن المبدع الحق لن يستسلم للأمر الواقع، لأنه حمّال قيم حضارية وفكرية، قد تنقرض لو صمت إيثارا للسلامة، ومبشر بقيم جمالية لا تستقيم الحياة من دونها. سيقاوم التطرف والتكفير ويناضل من أجل إعلاء قيم الحق والعدل والمساواة مثلما فعل أيام بن علي، ولو بالمواربة. ألم يكن يبتكر ألف حيلة وحيلة لمراوغة محظورات العهد البائد ؟ أليس دوره إزعاج السلطة، أي سلطة، كما قال سارتر؟. 

* أمير تاج السر: الثقافة لا تتعارض مع الدين

يقول الروائي السوداني أمير تاج السر:"أولا يجب أن يفهم أن الثقافة لا تتعارض مع الدين في شيء، وبالتالي ليس من المفترض أن يحجم دور المثقف، حتى في ظل وجود حكومات إسلامية، أو تحكم بالشرع كما تقول.

رأيي الشخصي أن المثقف لن يستسلم بسهولة، ويظل هامشيا، إن حدثت محاولات إقصاء، وأظنها ستحدث بالفعل، لكنه سيناضل حتى يأخذ دوره الحقيقي، والمثقفون الذين، يستسلمون، ويفقدون هوياتهم في كل وقت، لا أعتبرهم يحملون رسالة حقيقية. أؤكد أن رجل الدين نفسه بحاجة إلى مزيد من الوعي، حتى يتقبل المثقف".

ويؤكد الشاعر والباحث العراقي شاكر لعيبي، أن السؤال يستجيب للحظة الراهنة، كما أحسب، بسبب صعود الحركات الدينية إلى السلطة في أكثر من بلد عربي واحد. وهو أمر لا أستطيع أن أضعه وحده بالحسبان. مصطلح المثقف العربي فضفاض، ولعله يريد أن يشير إلى نمط من المثقف السائد في الميديا، وسنجاري السؤال بذلك.

ويقول "كان هذا المثقف وما زال يشتغل لصالح رأس المال العربيّ. عندما كان رأس المال هذا نامياً ضعيفاً، كان المثقف العربي يتكلم بصوتٍ عال وجرأة، وعندما حدثت الطفرة البترودولارية في السبعينيات من القرن الماضي خفت صوته، وصار مبحوحاً في حالات عدة.

إنه لا يستطيع نقد ومجادلة من يدفع له لقمة عيشه. وعندما يصير واقع الحال هذا معروفاً ومدركاً للقطاعات الواسعة من المعنيين، يلعب البعض اللعبة عن طيب خاطر، بصفته نوعاً من "مرتزقة ثقافية"، مدفوعة الأجر من أجل الانخراط بنوع خاص من الحروب الدعائية والسياسية والأيديولوجية."

* مجاهد العزب: القرآن والسنة لا دخل لهما بالثقافة 

يلفت الفنان التشكيلي والروائي مجاهد العزب إلى أنه من الواجب قبل الإجابة عن السؤال الفصل بين مفهومين من أصل واحد يقترب أحدهما من الآخر في الجذر العميق ويفترقان فى الفروع والشروح ــ الدين والتدين ــ حتى نستطيع فهم التحولات التاريخية وما سيحدث من تغير قادم، ويقول "الدين كوحدة جامعة مكون من جزأين هامين "القرآن والسنة النبوية" لا دخل لهما بالثقافة ومفهومها المتعارف عليه بأنها : الكل المركب المتغير والذي يشمل المعرفة والمعتقد والفن والأخلاق والقانون والعادات وكل القدرات الأخرى التي اكتسبها الإنسان بوصفه عضوا في مجتمعه، أي أنها تعبر عن مجمل الحياة الاجتماعية للإنسان وليس موروثة بالكلية، ولا ينبغي لنا أن ندخلهما ــ القرآن والسنة ــ كذلك لاستحالة التغيير أو التبديل أو الإلغاء أو التعديل على ما أتى به الدين كنص مقدس ملزم تتبعه بالضرورة نصوص وردت في صحاح الحديث ولها من القدسية ما يعادل النص المنزّل".

ويرى أن ما يدخل في منظومة الثقافة كرافد من روافدها هو التدين، "هو فهم بشرى للدين والعمل به في حقبة تاريخية بعينها ووسط جماعة من البشر بعينهم، وهذا وحده يحتاج الكثير من الوعي التاريخي والاجتهاد، ولا ينفيه المثقفون العرب على اختلاف دياناتهم بالضرورة، والمثقف المصري بوجه خاص.

لكن محاولات البعض فرض أفكارهم لمفهوم النص وكيفية التدين والارتقاء بها من طبيعة بشرية إلى مرتبة وقدسية الدين الجامع، فذلك يعنى الخلط الشديد في الواقع وضد حركة التاريخ ومقتضياته، والتي تؤدى بنا إلى التصادم والتصارع أو على الأقل الاختلاف والتخلف".

ويشير العزب إلى أن السؤال المطروح يحمل مقولة خاطئة:وهي اعتبار أن الثقافة هامش للسياسة أو كانت كذلك. ويقول "الثقافة مجموعة كلية لا تعنى فقط الجانب العلمي وحده أو المعرفي وحده أو الأيديولوجي وحده أو ما يحصل عليه الفرد من خبرات منفردا وحده، إنما هي أنساق قيم تخص مجتمعا بعينه في ظرف تاريخي معين، يتشابك ويتداخل بعضها البعض.

مجموعة من الروافد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والعادات والسلوك والأعراف والتراكم المعرفي والمدرك والتاريخ ــ كما أوضحنا من قبل ــ كلها تصب في مجرى واحد اسمه الثقافة، لذلك، لن يستطيع رافد واحد منها سواء السياسي أو الديني أن يهمش الكل الجامع. 

* محمد الدسوقي: المثقفون على هامش الهامش

يقول الكاتب والناقد المصري محمد الدسوقي إنه"رغم أنني أرى أنه لم يعد في القوس منزع، وأن هناك شيئا كبيرا كنت مؤمنا به تجاه الشعب المصري، كما كنت أظن أن المثقف المصري رغم الازدواجية التي عاشها في ظل النظام السابق ما بين من يؤمن بسلطة الثقافة ومن كان منخرطا في ثقافة السلطة – كنت أظن أن هناك بعض الأحداث الجليلة التي تتعلق بمستقبل الوطن، يمكن أن تجعل الجميع ينتفض ويتوحد إلا أن بعض الظن إثم.

ولهذا تحولت فيما بعد الثورة بحسن نية وقلت ربما يكون الأمل في الشعب، ولكن اتضح أن حساباتي غير دقيقة فقد فوجئت بأن أفيون التدين من خلال خطاب ديني فارغ على مدى سنوات كان يتلخص في: هل يدخل الشعب الحمام بقدمه اليمنى أم اليسرى؟ هذا الخطاب استساغه الجميع وعلى رأس هؤلاء كان المثقف الذي وجد أن الحل هو البحث عن الذات، عن المجد الشخصي عن كم القصائد أو القصص المنشورة، وليس كما أنار عقلا وقلبا – ها نحن كمثقفين وجدنا أنفسنا في هامش الهامش، في مقابل رجل التدين الداعية الذي تناسل تخلفا وانتشرت أبواقه تصم الآذان حتى لم يعد لأحد القدرة على الاستماع لسواه".

* شاكر لعيبي: المثقف يشتغل لصالح رأس المال العربي

بداية يؤكد الشاعر والباحث العراقي الدكتورشاكر لعيبي، أن السؤال يستجيب للحظة الراهنة، كما أحسب، بسبب صعود الحركات الدينية إلى السلطة في أكثر من بلد عربي واحد. وهو أمر لا أستطيع أن أضعه وحده في الحسبان. مصطلح المثقف العربي فضفاض، ولعله يريد أن يشير إلى نمط من المثقف السائد في الميديا، وسنجاري السؤال بذلك.

ويقول "كان هذا المثقف وما زال يشتغل لصالح رأس المال العربيّ. عندما كان رأس المال هذا نامياً ضعيفاً، كان المثقف العربي يتكلم بصوتٍ عال وجرأة، وعندما حدثت الطفرة البترودولارية في السبعينيات من القرن الماضي خفت صوته، وصار مبحوحاً في حالات عدة. 

إنه لا يستطيع نقد ومجادلة من يدفع له لقمة عيشه. وعندما يصير واقع الحال هذا معروفاً ومدركاً للقطاعات الواسعة من المعنيين، يلعب البعض اللعبة عن طيب خاطر، بصفته نوعاً من "مرتزقة ثقافية"، مدفوعة الأجر من أجل الانخراط بنوع خاص من الحروب الدعائية والسياسية والأيديولوجية.

وفي هذا السياق نرى أن الظاهرة تشكل، عن جدارة، "فلكلوراً" عربياً ذا تأريخ عريق، إذ نادراً ما خرج الشاعر العربي التقليدي عن طاعة ممدوحيه الذين أسبغوا عليه نِعَمِهم: فضةً وذهباً، عملة الزمن الآفل الصعبة.مع صعود الحركات الدينية إلى السلطة اليوم".

ويضيف "على المثقف أن يكون منطقياً ومتسقاً مع البديهيات الأولى: أن لا يرفض الشرط الديمقراطي الذي دفع بصعود هذه الحركات إلى سدة الحكم. هنا يبدو بعض المثقفين العرب وكأنهم معادون للديمقراطية. إنهم يفضّلون فحسب تلك الديمقراطية التي لا خصوم فيها أو لا صعودَ لهم، عبر الشروط المعروفة للانتخاب، إلى مراكز القرار. وهنا سوف يتشبثون فجأة، بضرورة مشاركة الجميع بالسلطة وعدم استفراد المنتخَبِين بها. هذه مفارقة عايشتها في تونس، واليوم أراقبها في مصر. "

* بشير إبراهيم: رجل الدين يحاول لعب دور رجل السياسة

يشير الناقد السينمائي الأردني بشير إبراهيم من ناحية، إلى أن رجل الدين لا يستلم الحكم بوصفه رجل دين، بل باعتباره مشتغلاً في حقل السياسة. ربما لهذا نجد أن القوى أو الجماعات الدينية، سارعت إلى تشكيل أحزاب، كأدوات سياسية، أو استطالات سياسية، تتفرّع عنها، وإن كانت لا تنقطع، أو لا تتمتع بحرية حركة، إلا بما يفترضه الواقع السياسي الذي ينبغي لها أن تنخرط فيه، وتعمل وفق إيقاعاته".

ويضيف "من ناحية أخرى، يمكن القول إن تسلّم الحكم من قبل رجال قادمين من مرجعيات أو قوى وجماعات دينية، لم يتمّ إلا باعتبارهم، ولو ظاهرياً، قد خضعوا لاختبارات العملية السياسية، من ترشيح وانتخاب، وخضوع لشروط وقواعد اللعبة السياسية. وعلى الرغم من أنهم أبقوا على ذقونهم، إلا أنهم وضعوا الياقات وربطات العنق، وارتدوا البذلات العصرية.. وباتوا يسعون لأخذ مشروعيتهم السياسية، فضلاً عما يظنونه من شرعية دينية.

يحاول رجل الدين لعب دور رجل السياسة. لا يتخلّى عن مرجعياته، ولا مرشديه، أو مريديه. ولكنه يقول في السياسة، ظاهرياً، أكثر مما يقول في الدين، على الرغم من أن الدين أساسه ومنطلقه ومبتغاه، وليس السياسة، التي لا تغدو عنده أكثر من وسيلة، يحتقرها في الحقيقة".

كما يرى بشير أن إشكالية المثقف العملي "البراغماتي"هنا، متعددة الوجوه. فهو يتعامل مع رجل الدين متجلبباً بجلباب السياسي. ومع السياسي باعتباره مندوباً لرجل الدين!.. وفي وقت كان من المألوف أن يرزح المثقف بين فكّي متراجحة؛ إما أن يلتحق المثقف بركب السياسي، ويتبعه ويتماهى به، أو ينزوي في الهامش، مبتعداً نائياً بنفسه، أو مطروداً من قبل السياسي، الذي لم يكن يقبل إلا بأتباع ومتحزبين.

فإننا نعتقد أن الأمر سيستمر على النحو ذاته، ولكن لينتمي المثقف الألعوبة، هذه المرة، إلى فئة المريدين! أما المثقف النقدي، فسوف يستمر فيما كان يفعله، منذ مطالع القرن العشرين، من موقف نقدي جليل، سواء تجاه رجل السياسة، أو رجل الدين المتجلبب بجلبابها، لا فرق!، وإن كانت المهمة ستكون أكثر صعوبة وتعقيداً، في مواجهة من يدّعي أنه يستمد شرعيته من الربّ، لا من اتجاه فكري، أو أيديولوجي، ولا من الحزب".

* سعيد الجريري: هامشية المثقف لرجل الدين

يذهب سعيد الجريري رئيس تيار "مثقفون من أجل جنوب جديد – عدن" إلى أن السؤال يقرر هامشية المثقف العربي لرجل السياسة، فيما يتساءل عن هامشية جديدة في علاقة المثقف العربي برجل الدين، لكنه تساؤل يضمر إثبات الحالة، لا نفيها.

إنه تساؤل يؤشر مأزقية المثقف العربي اليوم، فالسلطتان السياسية والدينية كلتاهما تنظران إلى المثقف نظرة استرابة، وفي حين تميل السلطة الأولى إلى تدجين المثقف أو التضييق عليه بوسائل شتى، تمارس السلطة الأخرى قمعاً أيديولوجيا بحامل اجتماعي، يقصي خطاب المثقف، ويؤزم لحظته، في مجتمع مازالت الشفاهية هي الفاعلة في تشكيل وعيه وموقفه.

ولعل ثنائية المتن والهامش ستظل ذات فاعلية بين المثقف والسلطتين السياسية والدينية، مالم يغادر المثقف العربي حالة اللاموقف "بالمفهوم الغرامشي"، وسيظل هامشاً للأولى والأخرى، إن ظل على مسافة سلبية من تحولات واقعه سلباً وإيجاباً.

لكن خطورة اللحظة الراهنة بالنسبة إلى المثقف العربي، تكمن في أنه أصبح هامشاً لسلطتين توحدتا في سلطة واحدة بعد أن ارتفع رصيد السلطة الدينية الانتخابي في أكثر من بلد عربي بعد الثورات السلمية الأخيرة.

ومن المهم في هذا السياق أن يعيد المثقف العربي قراءة اللحظة قراءة موضوعية، ويؤمن بأن هامشيته الراهنة ليست قدراً سياسياً أو دينياً أو ثقافياً، وإنما هي ناتج خلل بنيوي في تموضع المثقف العربي براغماتياً في السياق التاريخي للتحولات.

* علاء عبد الهادي: السياسي استخدم المؤسسات الثقافية لتيسير إحكام القبضة

يطرح الشاعر والباحث المصري د.علاء عبد الهادي سؤالا قبليا عن المقصود من تعبير المثقف، فهل هو الذي يمارس الكتابة الإبداعية؟.

ويقول "هذا عين ما فهمه النظام الثقافي السابق من الثقافة، وكنا نعارضه قولا وممارسة ومقاطعة لأنشطة الوزير وفلوله على مدى العقدين الأخرين، حيث استخدم السياسي المؤسسات الثقافية لتيسير إحكام قبضة النظام السياسي السابق على المثقف، والشيء الغريب أن الوجوه التي كانت خدما طيعين في يد فاروق حسني والفلول الذين أتوا من بعده هم أنفسهم الذين يسيرون الأجهزة والمؤسسات الثقافية الآن،نفس الوجوه ونفس اللجان، ونفس الهياكل الإدارية مع الكثير من النفاق وتغيير الأقنعة، فضلا عن كمية وافرة من الغباء الثقافي أيضا، الذي يوازي الغباء السياسي الحالي في فهمه للدور الذي يمكن أن تلعبه الثقافة في ظل ثورة يناير المجيدة".

ويضيف عبد الهادي "نحن الآن لا نكاد نرى أية رؤية علمية إستراتيجية حاضرة لمعظم القيادات الثقافية الحالية، والوضع لو استمر سيكون أسوأ مما سبق وذلك في ظل غفلة الحكومة الحالية عن أهمية المشروع الثقافي في أمن مصر القومي والاقتصادي".

وفقا لذلك يؤكد "نعم سيكون المثقف بالمعنى الرسمي المعتاد والقائم حتى الآن في العقل الجمعي للجهاز البيروقراطي الحكومي المصري خادما لكل صاحب سلطة، كانت دينية أو سياسية أو اقتصادية. مادامت قادرة على استغلال رأسمال الثقافة.

ويكون الوضع على خلاف ذلك، لو كان فهمنا للمثقف مرتبطا بالمعنى الأنثروبولوجي الحديث للثقافة، أو إذا كانت رؤيتنا مرتبطة بإعادة وضع استراتيجيات ثقافية قائمة على دراية عميقة لبيئتي الثقافة الداخلية في مصر والعالم الغربي الحديث، حينها فحسب يكون المثقف الذي يخاطر بالاقتراب من رجل السلطة مهددا بفقدان مكانته الثقافية، متحولا إلى تكنوقراط ثقافي، وهذا عين ما حدث واتضح بعد فترة، مع الموظف الأكاديمي الذي قبل اللعب بالثقافة لصالح حكومة ومصالح سياسية ضيقة، وأشهر أمثلة ذلك جابر عصفور".

ويخلص عبد الهادي إلى أنه "لا يمكن لمثقف عضوي أن يكون اختياره هو الهامش، قد تضطره الأوضاع إلى ذلك، لكنه سرعان ما يمسك بزمام المبادرة من جديد، وأنا أرى أن مثقفي الحظيرة، ومن يتحكمون للأسف في مقادير مصر الثقافية إلى الآن هم المهمشون، لأن عموم المثقفين يتعاملون معهم بصفتهم أدوات يستخدمونها لتحقيق منافعهم الصغيرة في ظل مجتمع لا يؤمن بالثقافة، المثقف الحق سياسي بالضرورة، لأنه يبشر دائما بممكن جديد وآخر، وهذا ما يجعله مقاوما بطبيعته للتهميش، في قلب الممارسة التاريخية، والفعل".

* هادي دانيال:المثقف العضوي لن يكون هامشا للسلطة

المثقف الحقيقي أو"العضوي" لم ولن يكون هامشا للسياسي أو الديني لأنّ وجوده يتحقق ليس فقط بفكّ أي شكل من أشكال الارتباط بهما بل وبمقاومتهما مقاومة ضارية كلما حاولا اعتراض حرية هذا المثقف في التفكير والتعبير أو في الخلق الإبداعي. 

وبما أنّ السياسي والديني يسعيان دائما إلى فرض سلطتهما إن كانا في الحكم أو في المعارضة فهما يوظفان من أسميه "تقنيَّ معرفة" وينسب نفسه أو ينسبه من يوظّفه إلى شريحة المثقفين افتراء. تقنيّ المعرفة هذا هو السائد عربيا منذ عقود، ولذا يوظّف معارفه في خدمة من يدفع، اعتقادا منه أن هذه المعارف سلعة يقدمها لمن يدفع ثمنها، ولذا نجد هذا النوع في بلاط السلطان و"بلاط" المعارضة، أكان هذا السلطان وهذه المعارضة سياسيين أو دينيين.

* محمد الخالدي:المثقف يبدل جلده تبعا لمصالحه

هذا السؤال بدأ يطرح بإلحاح هذه الأيام. وهو سؤال في محله.فالمثقف العربي ما عدى استثناءات قليلة،يطيب له العيش في كنف السلطة، يتمعش منها مقابل الدفاع عنها وتبرير ما تمارسه من تعسف في حق المواطن.

وبما أن المثقف عرف بتغيير مواقفه فلا غرابة والحال هذه أن يبدل جلده تبعا لمصالحه فهو مع "الواقف" أيا كان هذا الواقف. وما دامت كل المؤشرات توحي بأن المد الديني الرجعي بدأ يبسط نفوذه في أغلب الأقطار العربية، فان المثقف الذي اعتاد العيش في كنف السلطة والتمسح بأذيالها لم يجد حرجا في الارتماء في أحضان السادة الجدد.

فهو قد جبل على ذلك حتى بات يعتقد راسخا بما أن دوره هو إظهار الولاء ولا شيء غير الولاء لأولياء نعمته. فهو ، بهذا المعنى ، عبد مسخر لخدمة السلطة والدفاع عنها، ولم يفكر في يوم من الأيام أن يكون له دور أو أن يشارك في رسم سياسة البلاد، فهذه مهمة لا تعنيه وكل ما يعنيه هو إخلاصه للنظام القائم بغض النظر عن طبيعة هذا الأخير.

إن المثقف التونسي الذي باع ضميره لبن علي وعصابته مستعد أن يبيع نفسه للشيطان شرط الحفاظ على مصالحه الأنانية الضيقة. وبالفعل هناك عدد لا بأس به منهم قد غيروا جلودهم فنزعوا جلباب التجمع ليلبسوا برقع ومسوح الأحزاب الدينية لقوموا بنفس الدور الذي كانوا يقومون به في عهد النظام السابق.

* آدم فتحي: المثقّف ليس هامشًا لأحد 

لنتفّق أوّلاً على أنّ السلطة واحدة في جوهرها سواءٌ كانت في يد رجل الدين أو في يد رجل السياسة. كلاهُما طالبُ سُلطة وبائع يقين لذلك يسعى كلاهُما إلى احتكار رأس المال الماديّ ورأس الرمزيّ ومن ثمّ سعيُهما إلى تدجين المُثقّف أو تهميشه وإقصائه.

ولنتّفق ثانيًا على أنّ المُثقّف الذي يستحقّ هذه التسمية لا يطلب سُلطةً بل يُطاردُ حقيقة ويطرح أسئلة ويرفضُ كلّ احتكار ويدعو إلى التعدّد والاختلاف ويدافع عن حريّةٍ لا تعترف بحدود لذلك هو بالضرورة في اصطدام دائم بالسلطة دينيّةً كان أم مدنيّة.

قد تحاول السلطة ترويض هذا المُثقّف إلاّ أنّه يظلّ متمرّدًا مهما حاولت. وقد تحاول تهميشه لكنّه يظلّ في قلب المعركة حتى حين يختار مقاومة الجبروت والجهلوت انطلاقًا من الهامش جاعلاً منه مركزًا بذاته.

وإذا رأينا أحدهم يخدم ركاب سُلطةٍ ما فلنعلم أنّه فقد هويّته كمثقّف وأصبح موظّفًا مكلّفًا بالبروباغاندا لدى حاكم باسم الدنيا أو مكلّفًا بنوع من الإفتاء لدى حاكم باسم الدين.

وإذا كان البعض يسأل عن مصير المثقّف بين فاشيّتين إحداهما حداثيّة القناع والأخرى ذات قناع دينيّ فليعلم أنّ تغيير الأقنعة لا يغيّر شيئًا من واقع المثقّف الوطنيّ المبدع.. فهو بالضرورة، دون ادّعاء بطولة وعلى طريقته وحسب قدراته، مُحاربُ طواحين كاسِرُ أقنعة مُقاومٌ حرٌّ أو لا يكون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger