الاثنين، 11 أبريل 2011

في دلالات خطاب الرئيس المخلوع

Sun, 10/04/2011

«صاحي وبيلعب».. هذا التعليق الذي قالته صديقة لي يعبر باختصار عن حديث الرئيس المخلوع لقناة «العربية».. لكن الأمر أكبر من ذلك، فلا تقتصر الدلالات التي شملها حديث مبارك فقط على محاولته تبييض صفحته السوداء، إنما للأمر أبعاد أخرى.

أولا: مسكنة الرئيس المخلوع

إن أي عاقل يرفض ما ورد في خطاب المخلوع جملة وتفصيلا، لماذا؟ لأن الجواب البسيط الذي يعرفه كل مصري هو أن الرئيس لم يقدم في حياته إقرارا للذمة المالية للرأي العام، وكان السؤال عن حجم ثروة الرئيس طوال فترة حكمه من المحرمات التي تذهب بصاحبها وراء الشمس.. بل ويعتبرها المسئولون «قلة أدب».

المصريون لا يعرفون أبدا عدد القصور التي يمتلكها المخلوع، وأي منها ينتمي لأصول الدولة ومؤسسة الرئاسة، وأي منها ينتمي لممتلكاته الشخصية. إننا لا نعرف كم سيارة اشترى ولا كم أرضا امتلك ولا كم عقارا بنى..

المصريون لم يعرفوا يوما مفردات مرتب الرئيس، وفي كل الأحوال ولو كان مئة ألف جنيه شهريا لا يمكن بأي شكل أن تكفل له أن يعيش في المستوى المادي الخرافي الذي يعيش فيه هو وأبناؤه الآن. وفي تفاصيل بناء الفيلا التي نشرتها «المصري اليوم» ما يكفي لالتهام راتبه لمدة 10 سنين على الأقل.

بعد 30 عاما يجيء المخلوع ليقول أنه لم ينهب ويسرق؟ لماذا إذن لم تكن تعلن على الملأ من قبل مفردات مرتبك والعلاوات التي تحصل عليها، لماذا لم نرك يوما تتأسف في ألم لأنك لم تستطع تعليم أولادك في مدارس أجنبية محترمة لضيق ذات اليد؟! لماذا لم نشاهدك يوما تركب سيارة قديمة لأن الحال لا يغطي تكاليف جديدة؟ لماذا لم نشاهدك يوما في بزة غير مكتملة الأناقة؟

إن أحمدي نجاد رئيس مستبد، في دولة يحكمها الملالي ورغم ذلك يراه الناس يركب سيارته القديمة ويرتدي ذات البزة في مناسبات عديدة. وبرغم استبداده حاز أصوات الأغلبية.. ولماذا نذهب بعيداً، ولك في عبد الناصر نموذج آخر على المستبد نظيف اليد! لقد صادر الديمقراطية لأجل التنمية في معادلة خاطئة، أما أنت فقد صادرت حريتنا وذهبت بنا لأسفل سافلين، في معادلة الجحيم.

ثانيا: في أخلاقيات الصحافة، ولعبة السياسة:

بخبرتي الصحفية الضئيلة أرى أن إذاعة «العربية» لخطاب كامل لرئيس لفظه شعب أكبر دولة عربية، يتعارض مع أخلاق المهنة. إن ثمة فارق بين أن تكون جزءً من بروباجندا الآخرين، وبين أن تمارس مهنة الصحافة، وكان يمكن لـ«العربية» أن تكتفي بإذاعة مقتطفات من الخطاب وتقول إن مبارك قال كذا وزعم كذا..

أحترم «العربية» ولي فيها أصدقاء قليلون والباقي زملاء وإخوة كبار، وهذا ليس هجوما على القناة بأي شكل، ولكنه فقط تبصير للناس بأن مقدرات الإعلام - حين تحمى لعبة السياسة - ليست بيديه وإنما بيدي الممول.

أصبح النظام السعودي أكبر عائق أمام ثورات الحرية، وأكبر داعم لأمريكا وإسرائيل في المنطقة، واتضح ذلك في جملة من المواقف المخزية: 1- استضاف المخلوع بن علي. 2- ترددت أنباء عن تواجد مبارك في تبوك 3- نقرأ الآن الأخبار المتواترة بعروض "خليجية" لمساعدة مصر اقتصاديا مقابل منع محاكمة مبارك 4- طبعت هيئة العلماء هناك مليون ونصف المليون نسخة من فتوى تحريم المظاهرات. 5- أجهضت السعودية مبادرة بعض رموز الحكم في البحرين للحوار مع المحتجين وتحقيق مطالب الإصلاح هناك. 6- تتدخل السعودية الآن في اليمن ولا أحد يعلم ما سيحدث.

السؤال بعد كل ذلك: هل يمكن أن نتلقى خطاب المخلوع بمعزل عن تلك التطورات الأخيرة؟ الإجابة: لا يمكن.. إن الخطاب هو جزء صغير من محاولات النظام السعودي المستمرة لإفشال الثورات العربية، أو تحجيم أثرها في أحسن الأحوال.

ثالثا: في تباطوء المحاكمة، ومعنى الإقامة الجبرية

لا أريد أن أخوض مجددا في اللغط الدائر حول دور الجيش، وقد وضحت رأيي في مقال سابق، لكني أؤكد مجددا على خطورة تباطؤ محاكمة الرئيس المخلوع، وثمة نقطتين هامتين:

لا أفهم لماذا يحصرنا الجيش في زاوية قانونية ضيقة، إن كل الثورات التي قامت في الدنيا قامت بمحاكمة رموز الفساد والقمع على سياساتهم، وليس فقط على اختلاسات مرتبطة بوثائق معينة. ناهيك عن قيام بعض الثورات بسفك الدماء.

الشعب المصري لا ينشد الدماء ولا الانتقام، إنه ينشد ما ينادي به الكثيرون من وجود قانون لمحاسبة رموز النظام البائد على جرائمهم السياسية. إننا نكون في غاية السذاجة إذا صدقنا أن رءوس الدولة كانوا في غيبوبة أو لم تكن لهم صلة بكافة الجرائم التي ارتكبت في الشعب المصري من غرق العبارات وحرائق القطارات والمبيدات المسرطنة، وهلاك الزراعة وفساد التعليم وانهيار منظومة الصحة.

أما النقطة الثانية فهي في معنى الإقامة الجبرية، إنني لا أفهم أي إقامة جبرية تلك التي يتمكن فيها رئيس مخلوع لفظه شعبه من التواصل مع الإعلام، وأرجو ألا تخرج أصوات هنا تقول إن هذا من حق المواطن، فالرئيس المخلوع الآن مواطن ناقص الأهلية، ومن حقنا أن نحرمه من حقوق قد تؤثر على مسار الثورة، حتى تتم محاكمته محاكمة كاملة.

إن الخطاب في جملته دليل على الضغوط الخارجية الرهيبة التي تمارس على مصر لمنع محاكمة مبارك، وتحجيم مكاسب الثورة.. وعلى الجيش ألا يخاف تلك الضغوط فالشعب كله في ظهره وسند له.. والحق منتصر ولو طال الزمن.

المصرى اليوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger