نظام الحكم الجديد في مصر والارتماء الكامل في أحضان واشنطن
د. أشرف الصباغ
قبل إجراء انتخابات الرئاسة في مصر بأيام قليلة، لا يمكن فهم ما يجري إلا بوضعه ضمن سيناريو الصراع بين المؤسسة العسكرية والإخوان المسلمين على رضاء واشنطن والحصول على ضمانات أمريكية بعدم إزاحة أي من التيارين أو كلاهما لصالح أي قوة مدنية قد تظهر في المستقبل. هذا الصراع يروق تماما للإدارة الأمريكية ويتوافق بدرجات معينة مع استثمارها لنتائج الأحداث التي تمر بها المنطقة طوال عام ونصف العام تقريبا.
إن الصراع الدائر حاليا يقتصر فعليا على المؤسسة العسكرية والإخوان المسلمين. وكلا الطرفين جزء لا يتجزأ من نظام مبارك، أو في أحسن الأحوال مرتبط بهذا النظام ويرغب في إعادة إنتاجه بأشكال مختلفة. وهو ما يوضح ارتباط هذين الطرفين الرئيسيين بما يطلق عليه المصريون (الفلول). بينما القوى الليبرالية والوطنية واليسارية متشرذمة، وكأنها تناضل من أجل دور هامشي تجميلي لنظام ما قد يسفر عنه الصراع بين العسكر والإخوان. أو بمعنى أدق نظام يكون حصيلة التوافق بين العسكر والإخوان بعد الاتفاق على توزيع السلطة والأدوار وترسيم الحدود من أجل الحفاظ على الثروات والمصالح المالية.
وعلى الرغم من أنه في الحالات الطبيعية تكون العوامل الداخلية هي المتحكم الرئيسي في حسم نتائج أي انتخابات تشريعية أو رئاسية، إلا أن الحالة المصرية تخضع لرغبات قوى إقليمية (السعودية وقطر) وقوى دولية (الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية). الأمر الذي يؤكد أن الأمور لا تسير في طريقها الصحيح، ويشير في الوقت ذاته إلى إمكانية استمرار الثورة وتوتر الأوضاع بعد الانتخابات، سواء اتفق العسكر مع الإخوان أو لم يتفقوا. وبالتالي سيكون الصراع بين هذين الطرفين الرئيسيين من جهة وبين القوى الأخرى المتشرذمة من جهة أخرى. ولن ينتفي الصراع أيضا بين المؤسسة العسكرية وبين الإخوان مهما كانت الاتفاقات والتوافقات. وهذا الصراع سيكون على مساحة النفوذ في مختلف أجهزة السلطة وعلى المصالح الخاصة والمباشرة والكعكة المالية والاقتصادية. وهنا ستتعزز الأدوار الإقليمية للسعودية وقطر والأدوار الدولية للولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، وبالذات بريطانيا.
هناك سيناريوهات أكثر قتامة تدور حول إمكانية انزلاق الأوضاع إلى ما آلت إليه الأمور في ليبيا وسوريا. وأصحاب هذه النظرة يؤكدون بما لا يدع مجالا للشك أن المؤسسة العسكرية والإخوان سيشاركان في هذا السيناريو كجزء من سياسة عض الأصابع. ولكن السلفية الجهادية والمجموعات المتطرفة التي تلقى دعما أمنيا واستخبارتيا وماليا إقليميا ودوليا لن تفوت الفرصة وستدخل في الوقت المناسب. وهناك تلميحات بأن العسكر على علم بهذا السيناريو، بل ويستخدمونه للتخويف والتهديد. بل وأحيانا يشاركون في تحقيق أجزاء منه لفترات محدودة ثم يعودون لضبط الأمور. بينما الإخوان يحافظون على هذا الخيار كورقة أخيرة في حال غدر بهم المجلس العسكري ووجدوا أنفسهم خارج اللعبة. المثير أن الولايات المتحدة تراهن أيضا على هذا الخيار، ضمن خيارات أخرى، لا من أجل الديمقراطية أو الحرية في مصر أو في أي من الدول العربية، ولا من أجل تحديث المجتمع المصري أو المجتمعات العربية، بل من أجل حسابات أكبر وأوسع تخص صراعاتها الدولية والإقليمية ومصالحها الاقتصادية المباشرة عموما، وفي مجال الطاقة على وجه التحديد. وهناك تقارير عديدة أكدت أن أسعار الغاز يمكن أن تنخفض في حال تنفيذ السيناريو الأمريكي لأسلمة المنطقة وبنتيجة خطط مستقبلية لإبعاد مركز الغاز عن روسيا سواء في مجال الإنتاج والتصدير أو وسائل ووسائط النقل. والمسألة لا تقتصر فقط على المجال الاقتصادي والطاقة، بل تنسحب على الساحتين الجيوسياسية والجيواقتصادية.
إن الانتخابات الرئاسية المصرية ستجري في ظل أزمات وتوترات، ما يلقي بظلال الشك على شرعيتها وقانونيتها ونتائجها، وبالتالي جدواها. ولكن التوافق بين العسكر والإخوان، حتى وإن بدا تحت ضغوط إقليمية ودولية، لن يستمر طويلا، لأن التناقضات كثيرة وحادة. وكل السيناريوهات تروق للولايات المتحدة، عدا سيناريو واحد ووحيد، ألا وهو وصول القوى الشبابية والثورية الجديدة إلى السلطة، لأن ذلك تحديدا سيفسد الطبخة في المنطقة. وقد ينعكس سلبا على الأوضاع في كل من تونس وليبيا واليمن وسوريا، ويضرب مشروع أسلمة المنطقة من جذوره. هنا تحديدا، سيكون من مصلحة القوى الإقليمية والدولية التي نفذت السيناريو الليبي، وارتاحت كثيرا للسيناريو التونسي، وتعمل الآن على تنفيذ السيناريو السوري، سيكون من مصلحتها الدفع بالقوى المتطرفة الموجودة حاليا في مصر وبعلم من الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية والإخوان والسلفيين الرسميين. والمثير أن كلا من هؤلاء يستخدم هذه الورقة في سياسة عض الأصابع واستخدام العنف وخرق القانون ومواجهة القوى الشبابية والثورية الطامحة لبناء دولة مواطنة حديثة ومجتمع مدني لا عسكري ولا طائفي.
في كل الأحوال لن يكون هناك مكان لروسيا. وسيبدأ العد التنازلي لتحجيم المد الاقتصادي الصيني في المنطقة. وهذان الأمران يخصان موسكو وبكين ويتعلقان بقدرات كل منهما ليس فقط في المحافل الدولية والصراعات الدبلوماسية في مجلس الأمن، بل وأيضا بقدرة كل منهما على فتح قنوات مع كافة القوى والنظر بجدية لمصالحهما الاقتصادية والعسكرية والأمنية والجيوسياسية. فهناك حديث يجري، وكأن روسيا والصين ومعهما إيران يشكلون محورا أو تحالفا غير رسمي ضد تحالف ما غربي بقيادة الولايات المتحدة. ولكن الأمر ليس كذلك إطلاقا. المسألة ببساطة تدور حول الصراع على مصالح حقيقية وواقعية، وكل حسب قدراته ورؤيته لمصالحه. والواضح إلى الآن، أن الولايات المتحدة هي الرابح من كل ما يجري في المنطقة، سواء استمرت الأنظمة القديمة مع إجراء تغييرات شكلية، أو جاء تيار الإسلام السياسي، أو حتى جاء نظام مهجن من بقايا الأنظمة وتيارات الإسلام السياسي. بل وحتى إذا جاءت القوى المتطرفة التي يمكن أن تقلب الطاولة على رؤوس الجميع. وسيكون هذا السيناريو ملائما تماما للولايات المتحدة التي لديها خبرة بالتعامل معه، كما حدث في أفغانستان والعراق وليبيا التي نشاهد فيها حجم الدمار والفاقة والديون الخارجية.
وعلى الرغم من أن الجميع (القوى الإقليمية والدولية) يدرك بوجود قوى سياسية جديدة يجري القفز على منجزاتها وتوريطها، بل وتهديدها والتعامل معها بقسوة، إلا أن كل الأطراف الإقليمية والدولية تعزف عن التعامل مع هذه القوى إلا بشروط مجحفة. بل وأحيانا تكيل لها الاتهامات ويجري تشويهها عمدا والضغط عليها بوسائل متعددة، إما عن طريق ممارسة العنف معها، أو التجاهل، أو التهميش والتحييد. وكذلك باستخدام القوى السياسية العتيقة المتمثلة في الأحزاب التي كانت شبه معارضة لنظام حسني مبارك. إن كل المؤشرات تؤكد أن هناك جولات ومواجهات مقبلة ليس فقط في مصر، بل في المنطقة ككل. أما الإجراءات التشريعية والقانونية مثل الانتخابات أو المسكنات الاقتصادية، فما هي إلا معالجات مؤقتة لمشاكل مزمنة تتطلب حلولا جذرية لا مسكنات وحلولا جزئية..
توزيع السلطة بين نظام مبارك والإخوان: استقرار أم بداية مخاض جديد أكثر عنفا؟
من الصعب أن نصف ما يجري في الانتخابات الرئاسية المصرية بأنه صراع بين نظام مبارك بقيادة المجلس العسكري وبقايا الطغم المستفيدة من هذا النظام من جهة وبين قوى الإسلام السياسي بقيادة الإخوان المسلمين من جهة أخرى. والأقرب إلى الواقع أنه صراع بين التيارين السابقين وبين بقية القوى المدنية والعلمانية في مصر. ويبدو أن هذه الانتخابات بالذات تهدف بالدرجة الأولى إلى شرعنة نظام مبارك مجددا أمام الكثير من علامات الاستفهام، وغياب الدستور، واختفاء مهام رئيس الدولة الذي تجري من أجله الانتخابات، وهي كلها أمور منافية للعقل والمنطق والقانون وكل التشريعات الحديثة والقديمة. لقد رفض العسكر والإخوان الاختيار الوسط المتمثل في عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح. وهو خيار وإن كان يحمل ثنائية العسكر والإخوان، وثنائية الفلول وتيارات الإسلام السياسي، إلا أنه كان خيارا غير تصادمي بالمرة. ولكن شاء العسكر والإخوان الجنوح إلى التصادم المباشر تجسيدا لواحدة من أخطر صفات عهد مبارك ونظامه، ألا وهي الاستهانة بالمصريين وبعقولهم وإجبارهم على الاختيار بين السئ والأسوأ، أو بين الطاعون والكوليرا!!
لقد دفعت موارد الدولة ورأسمال الفلول وإرادة العسكر بأحمد شفيق إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، بينما دفع مكتب الإرشاد ورأسمال الإخوان وإرادة الشعوذة واللاهوت الإخواني بمحمد مرسي إلى المنافسة. وأصبح المصريون بالفعل أمام الخيار بين الطاعون والكوليرا. ومن الواضح أن لغز التراجع الغريب لموسى وأبو الفتوح سيظل محور شك ونقاش لفترات طويلة. بينما صعود مرسي وشفيق يشكل حالة من حالات التصادم المباشر لا بين العسكر والإخوان إطلاقا، بل بين كل منهما من جهة وبين المصريين والقوى الثورية والوطنية من جهة أخرى. هذه الثنائية الخادعة (ثنائية العسكر والإخوان) لا يمكن أن تحقق معادلة الثورة، أو حتى معادلة أي انتفاضة لها مطالب اجتماعية وسياسية وتشريعية. وهي إن عكست شيئا، فهي تعكس حرص وإصرار العسكر والإخوان المسلمين على تشكيل منظومة تحافظ على المصالح الاقتصادية والسياسية للبرجوازية المحلية. ولكن كان خيار، أو ثنائية، عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح أقرب إلى تحقيق هذا الهدف بقفازات ناعمة. بينما ثنائية أحمد شفيق ومحمد مرسي أكثر فجاجة وعنفا. ما يشير بدرجات متفاوتة إلى إصرار المجلس العسكري ومكتب الإرشاد على المواجهة المكشوفة مع القوى المدنية والعلمانية في مصر. خاصة وأن كل الأسباب التي أدت إلى اندلاع ثورة 25 يناير 2011 لا تزال موجودة بالكامل ولم ينتف أي منها على الإطلاق، بل إزدادت وتجذرت واستفحلت.
إن كل الشواهد تؤكد أن هناك اتفاقا بين قيادات كل من المجلس العسكري ومكتب الإرشاد على توزيع السلطة. وإذا كان مرشح الإخوان محمد مرسي يعرف بالاتفاق، فتلك مصيبة. وإذا كانت من وراء ظهره، فتلك كارثة بكل المعايير. والاتفاق يتلخص ببساطة في أن تكون الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بين محمد مرسي وأحمد شفيق، ليفوز شفيق وفقا لاتفاق على توزيع السلطة بين العسكر والفلول والإخوان المسلمين. ولكن ذلك بشرط إما إجراء كل ذلك بدون علم محمد مرسي وتركه يعمل بجد واجتهاد لكي لا تفقد القواعد الإخوانية ثقتها بمكتب الإرشاد، أو بعلم مرسي على أن تقدم له ضمانات بعدم فقدان ماء الوجه ومواصلة طريقه في نظام الدولة بتولي هذا المنصب أو ذاك. وبالتالي سيتمكن مرشح الإخوان من سحب قطاعات واسعة من التيارات الثورية الليبرالية واليسارية. وسيتنافس مرشح المجلس العسكري أحمد شفيق معه على هذه القطاعات. ولكن بعد الفوز المؤكد لشفيق سينتهي الصراع الشكلي بين جناحي السلطة، ولن تقع أي مواجهات بين المجلس التشريعي ومؤسسة الرئاسة. بل وستتشكل الحكومة من هاتين القوتين مع تطعيمها أو تجميلها ببعض الوجوه من القوى اليسارية والليبرالية كشكل من أشكال الرشوة. هذا الكلام يعني شئنا أم أبينا أنه إذا تكتلت القوى السياسية من غير الإخوان والعسكر والفلول خلف شخصية أخرى، مثل محمد البرادعي أو حمدين صباحي، سيتحد العسكر والفلول والإخوان لمواجهة أي منهما أو كلاهما.
إن الانتخابات الرئاسية المصرية في مصر في جولتيها الأولى والثانية، جرت وتجري في ظل إعلان دستوري، وحالات استثنائية أخرى، يقف على قمتها غياب مهام رئيس الدولة. الأمر الذي يثير الكثير من علامات الاستفهام لا على ما يجري فقط، بل وأيضا على مستقبل العملية السياسية والتشريعية والدستورية، ومستقبل مصر بالكامل في ظل ما يصفه المراقبون بالفاشية العسكرية والدينية التي تدفع بالأمور إلى الزاوية الضيقة للحفاظ على أكبر قدر من مصالحها المالية والاقتصادية والسياسية، ومساحة سلطتها في البلاد. ولن ينجو الدستور المقبل من صراعات حقيقية قد تصل إلى صدامات. وذلك بعد انتهاء الخلافات الشكلية على توزيع السلطة (مجلسا الشعب والشورى للأغلبية الدينية، والرئاسة لنظام مبارك الذي سيقوده بقايا النظام المدعومين مباشرة من المؤسسة العسكرية، والحكومة التي ستتشكل من الطرفين). غير أن فوز محمد مرسي بمنصب الرئاسة قد يقلب كل الأمور رأسا على عقب، لأنه أولا ضد الاتفاق بين قادة المجلس العسكري ومكتب الإرشاد. وثانيا، سيضع كل السلطة تقريبا في يد الإخوان المسلمين، ما يهدد وجود العسكر وطواغيت المال التابعين لنظام مبارك. وثالثا، سيضرب الدولة العميقة في مقتل، لأنه يهدد كل الأجهزة الأمنية التي لم تعترف إلى الآن بالثورة وتعمل بكل قوتها على إعادة إنتاج النظام. ورابعا، سيمكن رأسمال الإخوان من احتلال الساحة الاقتصادية في مواجهة القوة الاقتصادية للمؤسسة العسكرية وطواغيت المال التابعين لنظام مبارك. أما وصول أحمد شفيق إلى منصب الرئاسة سيكون أخف وطأة على المشهد السياسي والاقتصادي والأمني للدولة. ولكن كلا من مرسي وشفيق غير مقبولين على المستوى الشعبي من جهة، وعلى مستوى الكثير من القوى السياسية الجديدة. وكل ما يجري، في واقع الأمر، هو مجرد حراك على مستوى النخبة، سواء كانت الأحزاب العتيقة أو بقايا نظام مبارك أو حتى قيادات القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ومكتب الإرشاد والتنظيمات الدينية الأخرى. وأكبر دليل على ذلك نسبة الإقبال في المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية، مقارنة بالانتخابات التشريعية، وطريقة إدارة هذه الانتخابات والمشاركة فيها وحجم المخالفات الذي وقع.
هناك جانب آخر في غاية الخطورة، ألا وهو عودة الدولة الأمنية، سواء بشكلها السابق أو بشكلها الديني. فكل ما يجري في المشهد السياسي المصري الذي تقوده قوتان إحداهما عسكرية والثانية دينية يشير إلى أن العوامل الخارجية هي التي تتحكم في هذا المشهد بدرجات أكبر بكثير من العوامل الداخلية. خاصة وأن لا شئ على الإطلاق قد تغير في ما يتعلق بالمطالب الاجتماعية والاقتصادية للغالبية العظمى من المصريين، ولا في ما يخص أيضا المطالب التشريعية والسياسية للنخب التي أفرزتها الثورة خلال العام ونصف العام الأخيرين. هذا إذا تجاهلنا أن الدولة الأمنية الجديدة، سواء كانت بقيادة شفيق أو مرسي أو بالتوافق بين المجلس العسكري ومكتب الإرشاد، سوف تكون دولة قمعية بالمعنى الكلاسيكي من أجل الحفاظ على البناء الهش لهذه الدولة. فالعسكر سيرفعون شعار الحفاظ على أمن البلاد ووحدتها وسيادتها، ما سيؤثر مباشرة على الحريات المدنية ويعيد إنتاج المنظومة الأمنية بشكل أكثر شراسة وانتقاما من الثورة ومن قاموا بها وشاركوا فيها. والإخوان سيرفعون شعارات التكفير وضوابط الحريات الشخصية والعامة والاندماج في مشروعهم الأكبر للخلافة الإسلامية السنية بطبيعة الحال، ما سيؤثر على كل المصريين الآخرين المخالفين لهذا الطرح. وقد يمتد طرح الإخوان ليمس قوى بعينها في المنطقة، وعلى رأسها إيران، ما سيبدو شئنا أم أبينا أنه تنفيذ لأجندة أمريكية – خليجية لمواجهة إيران الشيعية.
وفي حال توافق العسكر والإخوان على إدارة البلاد، ستكون العوامل السابقة مجتمعة هي التي تحكم المشهد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والتشريعي في مصر. الأمر الذي يعيد كل الأمور إلى مربع الصفر من جديد، حيث ستزداد المسافة بين هذا المشهد وبين الاستقرار المزعوم، وستكون البلاد عرضة لمخاضات جديدة أكثر حدة وإيلاما مع التدخلات الإقليمية السافرة ومرونة السيناريوهات الغربية عموما والأمريكية على وجه الخصوص. وعلى الرغم من التعتيم الكامل على القوى السياسية والوطنية الجديدة ومواجهتها بالعنف الأمني أو الديني، إلا أنها لم تستخدم إلى الآن قوتها الحقيقية، ولا تدرك بالكامل مكامن قوتها وتأثيرها إلا في حدود ضيقة لأسباب كثيرة. ويبدو أن ذلك يجبر الطرفين الرئيسيين (العسكر والإخوان) على التحالف غير المقدس وغير المبدئي والالتزام فقط بسياسة عض الأصابع وتفادي الصدام المباشر الذي لا مفر منه مستقبلا عندما تبدأ الصدامات المالية والاقتصادية الحقيقية. كما أنه يجبر أيضا الأطراف الإقليمية والدولية على اعتماد سيناريوهات متحركة ومرنة مختلفة. والأخطر من كل ذلك هو عدم استخدام هذه الأطراف، إقليمية كانت أو دولية، للمجموعات الأكثر تطرفا كما حدث في السيناريو الليبي. ويبدو أن هذه الورقة قد تكون مجدية لا للأطراف الإقليمية والدولية فقط، بل وأيضا لكل من العسكر والإخوان في حال اهتزت المعادلات الهشة التي تعتمدها القوتان في توزيع السلطة والمال، أو راهن هذا الطرف الإقليمي أو ذاك الطرف الدولي على هذه القوة أو تلك بشكل أكبر، وهو ما يمكن أن يحدث بالفعل خلال أي حلقة من سلسلة الصراع والتحالفات وتوزيع السلطة والمال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق