الاثنين، 21 فبراير 2011

صناعة الخوف المشبوهة


جمال سلطان (المصريون) 21-02-2011

لا أتعاطف بأي وجه من الوجوه مع تلك الكتابات والتسريبات التي تتم عبر شبكة الانترنت تتعلق بمخاوف مضخمة عن وجود النظام السابق ومؤامراته والتي وصلت إلى حد أن يتكلم هيكل أول أمس عن الاتصالات التي تتم بين قصر العروبة وشرم الشيخ ، وهو كلام يمكن أن يتحدث به مدمنو روايات هاري بوتر وألف ليلة وليلة ، ولا يصح أن يطرح في سياق الحديث عن إدارات الدول وصناعة القرار وسلطة القرار ، ناهيك عن أن يكون ذلك مطروحا في حالة مصر وثورتها التي قادها ملايين المواطنين وما زالوا يملكون زخمها وعنفوانها بعد انتصارها على "الفرعون" الأخير .

وأتصور أن مثل هذه الحكايات والحواديت يمكن أن يروجها فلول من النظام السابق من قبيل الحرب النفسية لإرهاق شباب الثورة ووضعهم في حالة توتر وإحباط دائم ، ولذلك أنبه إلى ضرورة التعامل بحذر شديد واتهام أيضا مع تلك الحكايات والسيناريوهات أيا كان قائلها ، وفلول النظام السابق أهون وأضعف من أن يكون لهم الآن سيناريو ، فالنظام السابق في مصر كان نظاما فرعونيا ، الرئيس هو الإله ، وكل ما عداه في مصر مجرد ظل ، لا يوجد مؤسسات كما هو الحال في أي بلد متحضر أو ديمقراطي وإنما مكاتب خدمة لتغليف قرارات الديكتاتور في صورة قانونية أو دستورية ، ولا يوجد حكومة ووزراء بالمعنى المفهوم وإنما سكرتاريات ينفذون رغبات الديكتاتور وأسرته وحاشيته وما تبقى من جهد بعد ذلك يتم تقسيمه بين البحث عن غنائم شخصية من النهب العام وتسيير بعض شؤون الوزارة ، ولم يكن هناك حزب بالمعنى المفهوم وإنما جماعات مصالح ارتبط فسادها بوجود الديكتاتور ، هم يخدمون على "الشو" السياسي له والمساعدة على "إخراج" مسرحياته السياسية والتشريعية مقابل أن يمنحهم فرصة الحصول على فتات من كعكعة النفوذ والنهب العام .

باختصار لا يوجد سلطة في مصر من أي وجه سوى سلطة الفرعون ، وعندما أسقط الشعب المصري الفرعون فقد سقط كل ظل له ، ومسألة اختفائهم النهائي من المشهد مسألة وقت لا أكثر ، وما يحاول أن يفعله فلول الحزب أو الوزارة أو رجال البزنس أو شخصيات أمنية الآن هو أشبه بقنابل الدخان للانسحاب المشرف وتعطيل سيف العدالة والقصاص الشعبي والقانوني من الوصول إليهم سريعا ، وأبعد من ذلك لا يملكون أي تأثير في مستقبل مصر ، وجميع هذه الشراذم سيتم تصفيتها خلال مسيرة إعادة بناء الدولة وتطهير الوطن ، ولكن تلك العملية تحتاج إلى وقت بطبيعة الحال ، لأن حجم الفساد والإجرام والاستباحة كان من الضخامة بما لم يتخيله أحد ، حتى أن مصادر المجلس الأعلى للقوات المسلحة نفسه قالت أنهم فوجئوا بالحجم المذهل لوقائع الفساد .

لا معنى للاستعجال ، ولا معنى لتحميل المجلس العسكري فوق طاقته ، لا يمكن للمجلس ولا حتى لأي حكومة مقبلة أن تفتح جميع هذه الملفات دفعة واحدة ، ولا يمكن عزل وإقالة ومحاكمة جميع قيادات المؤسسات والمصالح والوزارات في ربوع مصر دفعة واحدة ، لأن هذا يمكن أن يسبب ارتباكا وربما انهيارا في قطاعات كثيرة ، وأنا أتفهم كلام المجلس العسكري في هذه الجزئية ، وبالتالي لا بد من الصبر ، مبارك تم خلعه وقضي أمره وأرجو أن ننسى الحواديت السخيفة عن صحته وإغماءاته أو نوع الشيكولاته التي يتناولها ، ولنركز على ملفات فساده هو وأسرته ، عملية التطهير بدأت ، وأركان النظام وقوائمه التي كان يتوكأ عليها تهاوت وبعضها في السجون حاليا والبقية في الطريق ، والبرلمان المزور بقسميه تم حله ، ورجال أعمال النظام يتم تقديمهم الواحد تلو الآخر للتحقيق والجهات الرقابية نشطت في إخراج ما كان مخزنا لديها من وقائع الفساد العريض ، والدستور يعاد صياغة أخطر ما فيه بما يعيد حق الاختيار للأمة ويحصن إرادتها من العبث ويهمش صلاحيات الرئيس المقبل ويغل يده عن كثير مما كان يعطيه "ألوهية" كاذبة .

مصر الآن على الطريق الصحيح ، ومصر في عهد جديد كليا ، ولا عودة بأي وجه من الوجوه لمصر الكئيبة والمستعبدة قبل 25 يناير ، وعلينا أن نثق في النصر ونثق في النجاح ونثق في قوة الثورة ونثق في أمانة وجدية المجلس الأعلى للقوات المسلحة ، وعلينا أن نتجاهل ونهمش تلك الأصوات المرجفة التي "لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا" ، أيا كان مصدرها أو أسماءها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger