الجمعة، 19 أكتوبر 2012



تتسلسل الأحداث كما يلى، خطاب المئة يوم الذى ألقاه الرئيس فى الاستاد عن حجم الإنجاز، الذى أنتج حالة من القلق وعدم الاقتناع اقترنت بالانزعاج والتوجس المنطقى من مظهر الزعيم الدوتشى الموسولينى الذى دخل به موكبه إلى الاستاد، وكنت أفضّل كثيرًا وهو حاكم لشعب متأزم أن يدخل رئيس مصر سيرًا على الأقدام فى مظهر أقل فخامة وأكثر تواضعًا، تلا ذلك مليونية جمعة الحساب والمظهر المشين اللا ديمقراطى واللا أخلاقى المؤلم الذى ظهرت عليه جماعة إخواننا المسلمين فى ما يشبه موقعة جمل جديدة، لكن بيد حكام جدد اعتصموا بالإنكار والمغالطة الساذجة المكشوفة تماما كسابقيهم من رجال مبارك، فلم يصدقهم أحد، وهو أمر قد يكون رديئا فى حالة النظام السابق، لكن قاتل فى حالة من لهم لحى وزبائب (جمع زبيبة فى ما أظن) وكان أولى بهم أن يصدقوا الناس القول ويقدموا الاعتذار فى موازنة سياسية بين خسائر الاعتراف بالخطأ وخسائر ضياع المصداقية، وهى أحيانا تكون موازنة ضرورية ولكنها غابت عن أعينهم! وكان محتمًا على الرئيس أن يتكلم بقلب مفتوح حتى ولو أغضب جماعته لحساب باقى الشعب، وكان ساعتئذ سيكسب الشعب ولن يخسر الجماعة، لكنه آثر الصمت والتباعد فى وقت شديد الخطأ، وأخيرًا وفى ذات اللحظة وفى مصادفة درامية محكمة يتزامن يوم استحضار موقعة الجمل مع براءة كل المتهمين فيها، مما سبب صدمة عارمة لدى المصريين ولتتآكل شعبية الرئاسة ومعها الجماعة خلال ساعات وعلى نحو خطير، كأن الرئاسة تغرق والجماعة هى الحجر الثقيل المربوط إلى ساقها، ورغم ذلك، لا تريد الرئاسة أن تتحرر لأسباب قبلية هى أبعد ما تكون عن أصول السياسة أو حتى اعتبارات الصالح العام. وفى قلب هذا المأزق المحموم تتجه أنظار الرئاسة إلى النائب العام باعتبار أن اعتزاله هو مطلب قديم جديد سوف يقدم «الآن وفورا» مسكنا سريعا يخفف الضغط الشديد على الرئيس ولو إلى حين، ويشترى للرئاسة بعض الوقت حتى تهدأ النفوس، وكأن الرئاسة -لا النائب العام- هى التى تبحث بسرعة عن مخرج آمن لم يكن النائب العام ذاته مضطرًا إليه، ولعل هذا يفسر تعجلها فى الإعلان الذى انتهى بكارثة لتزداد الرئاسة غرقًا وتورطًا، ويبقى أصل المشكلة، وزارة الداخلية، تلك التى لا تريد أن تعمل على حفظ الأمن إلا بشروطها، ففى عهد منصور العيسوى لم تقم الداخلية بنشاط يذكر باستثناء جرائمها السافلة فى محمد محمود، وفى ما عدا ذلك جلس الضباط فى أقسامهم عازفين عن العمل ولسان حالهم يقول «خللى الثورة تنفعكو!» ثم يأتى الوزير محمد إبراهيم بنوع من التفاهم مفاده أن «الأمن شغلتنا وماحدش فاهم فيه غيرنا، حايرجع بشرط ماحدش يقرب من رجالتى!» وتستعيد الداخلية نشاطها الأمنى بنجاح ملحوظ إلى أن ثار موضوع إعادة الهيكلة فى مجلس الشعب فهاج الوزير إبراهيم وماج فجأة وصاح فى النواب «مافيش حاجة اسمها إعادة هيكلة»، ويرحل الوزير غاضبًا مغضوبًا عليه ليخلفه الوزير الحالى، وعلى ما يبدو أن الرئاسة اضطرت مرغمة آخر الأمر إلى الرضوخ لشروط الوزارة المتهمة بالقتل، لتؤجل مسألة القصاص إلى حين حرصًا على أمن مصر إجمالا، فتمتنع الداخلية عن تقديم أدلتها ضد نفسها وتدير الرئاسة وجهها فى الاتجاه الآخر، خصوصا أن زمام سيناء سيفلت أيضا والنظام فى حاجة إلى كل الخبرات المخابراتية والمباحثية والأمنية حتى ولو على يد عتاولة خبراء النظام القديم «المخربشين» فى كل تلك الأجهزة أخذًا فى الاعتبار الحاجة الماسة إلى لمّ عك المشير طنطاوى وزبانيته، الذين انشغلوا بصينية ميدان التحرير تاركين الحدود الغربية مع ليبيا ملعبا مفتوحا دخلت منه إلى سيناء ترسانة أسلحة خفيفة وثقيلة لا حصر لها! والنتيجة أن تنهال أحكام البراءات فى محاكمات قتلة الثوار كالمطر، وتبدأ عودة الممارسات الفردية القديمة لضباط الداخلية فى تعذيب المصريين وإهانتهم فى محاولة منها لاستعادة المجد القديم وتصفية الحسابات مع الثورة، ولم لا؟ ثم أخيرا.. تأتى حكاية النائب العام الذى سيظل اعتزاله أيا كان توقيته أو ظروفه مطلبا شعبيا حقيقيا، لكن الحقيقة أيضا أنه لن يستطيع أى نائب عام جديد حل مشكلة القصاص مهما كان عبقريا، إذ إن كل أجهزة الأمن المذكورة هى أدواته، وبغير تعاونها سيكون كالأعمى الكسيح ولن يصل إلى شىء، وكيف يمكن لجهاز أمنى متهم بالقتل أن يقدم الدليل ضد نفسه للنائب العام؟! ولو اختار النائب العام الجديد أن يغزو هذه الأجهزة بنفسه بفرق تحقيق مستقلة بحثا عن الحقيقة فسوف ينهار الأمن فى مصر فى ساعة واحدة، هو إذن تأجيل للقصاص مع وعد رئاسى بإعادة المحاكمة عندما تتيح الظروف استخراج الأدلة الجديدة، وأقول للرئيس إنه وللأسف فإن الأدلة الجنائية لا تنتظر الظروف المواتية، بل هى تبوش بسرعة فتتغير المعالم وتضيع إلى الأبد، وأخشى أن هذا قد حدث فعلا بعد مرور كل هذا الوقت. الحقيقة التى أضعها أمام الكل وأدعوهم إلى التفكير فيها هى أن أى اقتراب من إعادة هيكلة وزارة الداخلية سيعرض كل الأمن فى مصر للخطر، إلا لو تم تنفيذ ذلك بشجاعة نادرة وجرأة حقيقية وأداء محكم على طريقة مرشدى قناة السويس فى عام تأميمها مع الفرق الهائل فى الحجم والعبء، وبشرط أن يدرك الشعب مع الرئيس العواقب المحتملة ويتحملها لعام أو عامين، ويزيد من صعوبة الأمر أن استشراء الواسطة خلال سنوات طويلة مضت قد حول الداخلية إلى مافيا أسرية كبيرة ذات روابط عائلية لا تسمح بالتدخل فيها أو كسرها وهكذا، فأنا أضع المشكلة المسكوت عنها أمام الكافة، الأمن أم القصاص؟ أما الرئيس، فأهمس له أن صارِح شعبك بالحقائق يا سيادة الرئيس شارِكهم، كن شفافًا مباشرًا فالناس يريدون الحقيقة ولا يستحقون إلا الحقيقة، وسيقدرونها لك مهما كانت مرارتها، وعلى رأى المثل، الصدق مانجة! (الحرية لضابط الصاعقة المعتقل محمد وديع).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger