أشرقت الشمس رغم الغيوم صباح ٢٦ مارس ٢٠١٢
فى الطريق من بيتى إلى المطار، «منى» تقود السيارة وفى عقلى يدور السؤال:
ما هى الثورة يا منى؟
بالأمس جمعنى لقاء مع مجموعة من شباب وشابات الثورة والاتحاد النسائى المصرى، رأيت الحزن تحت الابتسامات، الأحلام الكبيرة تختفى تحت طبقة كالغيوم.
بوادر هزيمة؟ تعب يتسلل تحت يأس؟ قوى الثورة المضادة والتيارات السلفية هل تغلبت؟ كلمة «ما فيش فايدة» هل ترددت؟
انتفض المارد الراقد فى الأعماق «يعنى إيه ما فيش فايدة»؟ كل شىء فيه فايدة حتى الفشل، مافيش مستحيل؟
الكلمات كالكهرباء اخترقت الغيوم، أشرقت الوجوه بضوء الشمس، توقفت السيارة وراء طابور من السيارات، زحمة المرور؟ تنافس على محطات البنزين؟ انقلاب قاطرة لورى؟ مطاردة بلطجية النظام؟ القبض على واحد من الثوار؟ موكب أحد رجال الحكم الكبار؟ نجلس كالسجناء وراء الأبواب المغلقة داخل السيارة كالزنزانة، النظام ده لازم يسقط يا منى؟ أنا حلمت إمبارح إنه سقط، مجرد حلم يا منى، أعظم الأشياء تبدأ بالحلم.
ما هى أعظم الأشياء؟
لا أميل إلى كلمة «ما هى»، لا أهوى الماهيات: ما هى أعظم الأشياء، ما هى الثورة، ما هو الإبداع، ما هو الحب، ما هى الحياة، ما هو الموت، هذه أشياء تحدث لنا، نعيشها دون أن نعرف ما هى، يعنى المعرفة غير مهمة؟ المعرفة مهمة جداً لكنها محدودة بالعقل، أى بالزمان والمكان، كل شىء محدود بالزمان والمكان يا منى إلا الجنون والأحلام الكبيرة، أعظم أنواع الجنون تصبح هى قمة العقل بعد النجاح.
سقوط مبارك كان حلماً مجنوناً، اليوم هو واقع عادى؟
لا أحب كلمة عادى، لا يجذبنى الشخص العادى.. أحب المجنون، ما الفرق بين الحلم والوهم يا منى؟
الحلم شجرة رأسها فى السماء وجذرها ممدود فى باطن الأرض، الوهم فكرة مجردة معلقة فى الفضاء مقطوعة الصلة بالواقع والحقيقة، الحلم يندرج تحت العلم والعقل المبدع المتمرد، الوهم يندرج تحت الخرافة والعقل الخانع المطيع، أجسام البغال وأحلام العصافير؟
لهذا تحبين الثورة يا منى وليس السياسة؟
السياسة هى فن الممكن والأحلام الصغيرة، إصلاح عيوب النظام، عملية ترقيع، لكن الثورة هى فن المستحيل، تغيير النظام وخلق عالم جديد، الثورة خلاقة مبدعة مثل قصيدة الشعر، لماذا لا ترتقى السياسة إلى الشعر يا منى؟
لأن النظام الحاكم يقوم على القوة والغلبة، السياسة مهنة فى السوق، السياسى مثل المحامى والصحفى والإعلامى والحانوتى والطبيب والجزار، يعملون حسب قانون التجارة: المكسب والخسارة والعرض والطلب، انظرى إلى الصراع الضارى بين المرشحين على كرسى الرئاسة، ألا يشبه الصراع فى البورصة والسوق الحرة؟
السوق الحرة ليست حرة، لأنها محكومة بالنظام نفسه، القوة والخداع وليس بالصدق والعدل، حرية السوق والسياسة هى حرية الأقوياء لاستغلال واستغفال الضعفاء، كلهم يغنون فى سوق الانتخابات «باحبك يا مصر»، يغرقون الناس فى بحر الوعود الكاذبة، يتكرر ذلك فى كل عصر فى كل بلد.
الخداع فى بلادنا أشد؟
بسبب الجهل والتجهيل وليس بسبب الهرمونات أو الهوية أو القومية.
لماذا يتخلى الثوار والثائرات عن الأحلام الكبيرة ويسقطون فى بئر الممكن؟
بسبب خيبات الأمل المتكررة، والضربات المتلاحقة قبل التقاط النفس، بسبب الفشل وراء الفشل وراء الفشل، الفشل لا يقود إلى الهزيمة، النجاح ليس إلا الانتقال من فشل إلى فشل دون فقدان الأمل، هذه عبارة جميلة يا منى، العبقرية هى صبر طويل واستمرار فى العمل حتى النهاية، التوقف فى وسط الطريق هو الخطر، لا أحب كلمة وسط، الثورة لا تعرف الوسط، الشعراء لا يعرفون الوسط، لا يعرف الوسط إلا الخائفون من السير حتى النهاية.
فى الاجتماع بالأمس مع الشباب والشابات قالت فتاة إنها سجلت حياتها فى الثورة يوماً بيوم، لكنها فشلت فى نشر كتابها، لم يتحمس له الناشرون: ولماذا لم تنشره على الإنترنت، قراء وقارئات النت أكثر ممن يقرأون الكتب والصحف الورقية، أغلب الناشرين يحسبون كل شىء بمنطق الربح والخسارة، يدورون فى فلك الأسماء المشهورة، لا يغامرون، أحلامهم صغيرة محسوبة بالأرقام، هل شارك الناشرون والتجار فى الثورة؟
الثورة تحتاج إلى المغامرة والشجاعة على اقتحام المجهول حتى الموت، هذه صفة الشعراء والشاعرات وليس الناشرين، لم يتحقق الحلم الكبير وإسقاط مبارك إلا بالثوار والثائرات الذين واصلوا الثورة غير هيابين للرصاص والنار، كسروا حاجز الخوف الموروث منذ الأزل، الثورة غيرتنى يا منى، أصبحت إنسانة أفضل مما كنت.
اشرحى لى كيف؟
قبل الثورة بشهور كثيرة بدأت فى كتابة رواية جديدة، بلغت منتصفها تقريباً حين قامت الثورة، تركت الرواية لأعيش الثورة، بعد عدة أيام أصبحت عاجزة عن العودة إلى حياتى السابقة، أردت تغيير كل شىء فى كل شىء، وليس نظام الحكم فقط، أصبحت حياتى داخل بيتى باردة، اكتشفت أن الشارع أيام الثورة أكثر دفئاً من البيت، رغم أن شهرى يناير وفبراير عز الشتاء، حين عدت لقراءة الرواية وجدتها باردة أيضا، كأنما كتبتها واحدة غيرى فى الماضى السحيق، ألقيتها بعيداً وبدأت رواية جديدة، بدأ القلم يمشى وحده فوق الورق بقوة الثورة، سخونتها وطاقتها المبدعة، المتفجرة من وراء الطبيعة والعقل والزمان والمكان.
فى الطريق من بيتى إلى المطار، «منى» تقود السيارة وفى عقلى يدور السؤال:
ما هى الثورة يا منى؟
بالأمس جمعنى لقاء مع مجموعة من شباب وشابات الثورة والاتحاد النسائى المصرى، رأيت الحزن تحت الابتسامات، الأحلام الكبيرة تختفى تحت طبقة كالغيوم.
بوادر هزيمة؟ تعب يتسلل تحت يأس؟ قوى الثورة المضادة والتيارات السلفية هل تغلبت؟ كلمة «ما فيش فايدة» هل ترددت؟
انتفض المارد الراقد فى الأعماق «يعنى إيه ما فيش فايدة»؟ كل شىء فيه فايدة حتى الفشل، مافيش مستحيل؟
الكلمات كالكهرباء اخترقت الغيوم، أشرقت الوجوه بضوء الشمس، توقفت السيارة وراء طابور من السيارات، زحمة المرور؟ تنافس على محطات البنزين؟ انقلاب قاطرة لورى؟ مطاردة بلطجية النظام؟ القبض على واحد من الثوار؟ موكب أحد رجال الحكم الكبار؟ نجلس كالسجناء وراء الأبواب المغلقة داخل السيارة كالزنزانة، النظام ده لازم يسقط يا منى؟ أنا حلمت إمبارح إنه سقط، مجرد حلم يا منى، أعظم الأشياء تبدأ بالحلم.
ما هى أعظم الأشياء؟
لا أميل إلى كلمة «ما هى»، لا أهوى الماهيات: ما هى أعظم الأشياء، ما هى الثورة، ما هو الإبداع، ما هو الحب، ما هى الحياة، ما هو الموت، هذه أشياء تحدث لنا، نعيشها دون أن نعرف ما هى، يعنى المعرفة غير مهمة؟ المعرفة مهمة جداً لكنها محدودة بالعقل، أى بالزمان والمكان، كل شىء محدود بالزمان والمكان يا منى إلا الجنون والأحلام الكبيرة، أعظم أنواع الجنون تصبح هى قمة العقل بعد النجاح.
سقوط مبارك كان حلماً مجنوناً، اليوم هو واقع عادى؟
لا أحب كلمة عادى، لا يجذبنى الشخص العادى.. أحب المجنون، ما الفرق بين الحلم والوهم يا منى؟
الحلم شجرة رأسها فى السماء وجذرها ممدود فى باطن الأرض، الوهم فكرة مجردة معلقة فى الفضاء مقطوعة الصلة بالواقع والحقيقة، الحلم يندرج تحت العلم والعقل المبدع المتمرد، الوهم يندرج تحت الخرافة والعقل الخانع المطيع، أجسام البغال وأحلام العصافير؟
لهذا تحبين الثورة يا منى وليس السياسة؟
السياسة هى فن الممكن والأحلام الصغيرة، إصلاح عيوب النظام، عملية ترقيع، لكن الثورة هى فن المستحيل، تغيير النظام وخلق عالم جديد، الثورة خلاقة مبدعة مثل قصيدة الشعر، لماذا لا ترتقى السياسة إلى الشعر يا منى؟
لأن النظام الحاكم يقوم على القوة والغلبة، السياسة مهنة فى السوق، السياسى مثل المحامى والصحفى والإعلامى والحانوتى والطبيب والجزار، يعملون حسب قانون التجارة: المكسب والخسارة والعرض والطلب، انظرى إلى الصراع الضارى بين المرشحين على كرسى الرئاسة، ألا يشبه الصراع فى البورصة والسوق الحرة؟
السوق الحرة ليست حرة، لأنها محكومة بالنظام نفسه، القوة والخداع وليس بالصدق والعدل، حرية السوق والسياسة هى حرية الأقوياء لاستغلال واستغفال الضعفاء، كلهم يغنون فى سوق الانتخابات «باحبك يا مصر»، يغرقون الناس فى بحر الوعود الكاذبة، يتكرر ذلك فى كل عصر فى كل بلد.
الخداع فى بلادنا أشد؟
بسبب الجهل والتجهيل وليس بسبب الهرمونات أو الهوية أو القومية.
لماذا يتخلى الثوار والثائرات عن الأحلام الكبيرة ويسقطون فى بئر الممكن؟
بسبب خيبات الأمل المتكررة، والضربات المتلاحقة قبل التقاط النفس، بسبب الفشل وراء الفشل وراء الفشل، الفشل لا يقود إلى الهزيمة، النجاح ليس إلا الانتقال من فشل إلى فشل دون فقدان الأمل، هذه عبارة جميلة يا منى، العبقرية هى صبر طويل واستمرار فى العمل حتى النهاية، التوقف فى وسط الطريق هو الخطر، لا أحب كلمة وسط، الثورة لا تعرف الوسط، الشعراء لا يعرفون الوسط، لا يعرف الوسط إلا الخائفون من السير حتى النهاية.
فى الاجتماع بالأمس مع الشباب والشابات قالت فتاة إنها سجلت حياتها فى الثورة يوماً بيوم، لكنها فشلت فى نشر كتابها، لم يتحمس له الناشرون: ولماذا لم تنشره على الإنترنت، قراء وقارئات النت أكثر ممن يقرأون الكتب والصحف الورقية، أغلب الناشرين يحسبون كل شىء بمنطق الربح والخسارة، يدورون فى فلك الأسماء المشهورة، لا يغامرون، أحلامهم صغيرة محسوبة بالأرقام، هل شارك الناشرون والتجار فى الثورة؟
الثورة تحتاج إلى المغامرة والشجاعة على اقتحام المجهول حتى الموت، هذه صفة الشعراء والشاعرات وليس الناشرين، لم يتحقق الحلم الكبير وإسقاط مبارك إلا بالثوار والثائرات الذين واصلوا الثورة غير هيابين للرصاص والنار، كسروا حاجز الخوف الموروث منذ الأزل، الثورة غيرتنى يا منى، أصبحت إنسانة أفضل مما كنت.
اشرحى لى كيف؟
قبل الثورة بشهور كثيرة بدأت فى كتابة رواية جديدة، بلغت منتصفها تقريباً حين قامت الثورة، تركت الرواية لأعيش الثورة، بعد عدة أيام أصبحت عاجزة عن العودة إلى حياتى السابقة، أردت تغيير كل شىء فى كل شىء، وليس نظام الحكم فقط، أصبحت حياتى داخل بيتى باردة، اكتشفت أن الشارع أيام الثورة أكثر دفئاً من البيت، رغم أن شهرى يناير وفبراير عز الشتاء، حين عدت لقراءة الرواية وجدتها باردة أيضا، كأنما كتبتها واحدة غيرى فى الماضى السحيق، ألقيتها بعيداً وبدأت رواية جديدة، بدأ القلم يمشى وحده فوق الورق بقوة الثورة، سخونتها وطاقتها المبدعة، المتفجرة من وراء الطبيعة والعقل والزمان والمكان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق