التحريض على العنف ضد المرأة
من الصعب أن نتحدث عن حرية المرأة بمعناها الاجتماعى والسياسى قبل 25 يناير 2011 فى مصر، فقد كان النظام السياسى، والمجتمع بشكل عام، يمارسان لعبة الازدواجية والانتهازية فى التعامل مع المرأة، وكانت وسائل الإعلام تقوم بتجميل وتسطيح وجود المرأة وكينونتها، من أجل حصول النظام السياسى على المعونات المالية من المؤسسات الدولية التى تتواطأ أحيانا مع الأنظمة الفاشية لأسباب وأهداف سياسية. هكذا كانت تعيش المرأة فى مصر بين فكى كماشة النفاقين الاجتماعى والتشريعى، وبمجىء تيار الإسلام السياسى إلى السلطة وخروج التيارات السلفية من جحورها وإطلاق يدها فى الشوارع ووسائل الإعلام يتواصل نفس القهر تحت مسمياته الدينية والطائفية والعنصرية، بل امتدت الأمور لتكشف عن شعوذة وأمراض جنسية وعقلية تكاد تمتد إلى نصوص الدستور.
المرأة فى مصر تواجه الآن واحدة من أكبر المحن فى التاريخ، لأن التربة السياسية والإعلامية فى ظل حكم الإسلام السياسى أصبحت ممهدة تماما للعودة إلى الوراء تحت راية الدين والسنة والأخلاق، ودعاوى الاختلاف عن الغرب والحفاظ على العادات والتقاليد.. بل ووصل الأمر إلى بذل كل الجهود الممكنة لتمرير ما يسمى بـ«قانون ازدراء الأديان» على المستوى الدولى، ولا أحد يعرف بالضبط أى أديان! وهل المقصود بذلك هو الدين الإسلامى فقط، أم الديانات التى يعترف بها المسلمون! أم جميع الأديان التى يعتنقها كل سكان الكرة الأرضية؟! ولماذا أصلا «قانون ازدراء الأديان» وليس «قانون ازدراء العقائد والثقافات»؟ وما حدود هذا القانون؟ وهل سيتعارض مع حرية الفكر والإبداع أم لا؟!
فى خضم كل هذه الترهات والمهاترات، نرى فتاوى تطالب بإقرار سن زواج المرأة من 8 سنوات لأى رجل فى أى سن، وإمكانية استمتاع الرجل بها وبجسدها كما يحلو له، وأن المرأة غير المختونة ناقصة الإيمان، وأن المرأة لا يحق لها أن تتولى منصب القاضى ومناصب أخرى.. هذه الدعاوى والفتاوى والمطالب تقترن بممارسات على أرض الواقع من قبيل التضييق على النساء فى فرص العمل والهجوم على مدارس الفتيات والتحرش بالسيدات فى الشوارع والمواصلات العامة، ومحاولات تسييد أنماط معينة من الملابس ومنح صاحباتها فرصا أكبر للعمل والظهور الإعلامى. كل ذلك مقدمة خطيرة لممارسة العنف المباشر فى وضح النهار ضد كل المواطنين عموما، وضد المرأة بشكل خاص، وهو أيضا مقدمة لمنح مجموعات دينية محددة الحق فى التأديب والتهذيب ودخول البيوت والتفريق بين الأزواج ومعاقبة المواطنين فى الشوارع، كما حدث أكثر من مرة، وأسفر ذلك عن إزهاق أرواح فى وضح النهار.
لا شك أن تزويج الفتيات القصر شكل صارخ من أشكال التحريض على ممارسة العنف ضد المرأة على المستوى الجسدى والنفسى. وربط إيمان المرأة بجسدها شكل من أشكال ممارسة العنف الروحى والثقافى والنفسى ضدها. والخطير فى هذه الدعوات والفتاوى أن أصحابها يحاولون تمريرها فى نصوص الدستور، مبررين ذلك بأحاديث دينية وبأنها عودة إلى السنة المحمدية، لدرجة أن هناك مطالب بإحالة هؤلاء الأشخاص إلى المحاكمات بتهمة ازدراء النبى وازدراء الإسلام والتحقير من شأنه. مثل هذه الدعاوى والفتاوى أصبحت جزءا من الممارسات اليومية لتيارات إسلامية كثيرة فى المساجد والفضائيات والصحف. البعض يرى أن التيارات السلفية هى التى تقوم بذلك بعد أن أفسح لها النظام السياسى الدينى-الإخوانى المجال الإعلامى والدعوى. وأرجع ذلك إلى أسباب كثيرة من بينها أن الإخوان لا يستطيعون بالفعل التحكم فى التيارات السلفية أو السيطرة عليها بعد أن أطلقوها. وكذلك إلى خوف الإخوان من احتجاجات التيارات السلفية، وبالتالى خسارة أصواتهم فى أى استفتاءات أو انتخابات مقبلة. والأخطر، هو أن الإخوان ونظامهم السياسى يحاولون استثمار سقطات السلفيين وممارساتهم وشعوذاتهم وفتاواهم المخالفة لكل الأعراف الإنسانية، للمفاضلة بين الإخوان والسلفيين، بهدف البقاء فى السلطة والاستيلاء الكامل على مفاصل الدولة، والتغطية على الاحتجاجات العمالية، والفشل فى إحقاق أبسط الحقوق الاجتماعية والتشريعية والسياسية.
هكذا يغمض النظام السياسى الدينى-الإخوانى فى مصر عينيه عن ممارسات السلفيين وفضائياتهم وتحريضهم على العنف ضد المرأة، وكل ذلك من أجل إحكام قبضة مكتب الإرشاد على السلطة من جهة، وتمرير الدستور المعيب من جهة ثانية، وعدم الصدام مع الجماعات الجهادية المسلحة من جهة ثالثة. وفى الوقت نفسه يعتمد الإخوان المسلمون خطابا ديماجوجيا استسهاليا لإقناع الغرب بتقديم المساعدات والقروض والاستثمارات، ويقدمون وعودا وتعهدات خادعة ومماطلة للمؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان عموما، وحقوق المرأة على وجه الخصوص.
على هذه الخلفية القاتمة تماما، تتواصل دعاوى التحريض على العنف والتمييز ضد المرأة وتدمير روحها وجسدها باسم الدين والعادات والتقاليد. وتقوم بتنفيذ ذلك التيارات السلفية ويستثمره تنظيم الإخوان المسلمين، بينما مكتب الإرشاد والرئيس الإخوانى يستخدمان خطابا ديماجوجيا لتضليل المصريين والمجتمع الدولى وخداع المؤسسات الدولية المانحة، للحصول، ببساطة، على المساعدات والقروض والاستثمارات، ويبدو أن المؤسسات الأوروبية تمارس نفاقا وانتهازية فى هذا الصدد عندما تغمض عيونها عما يجرى. وبالتالى تصبح المرأة فريسة للهرطقة الدينية للممسوسين والشواذ من جهة، ومن جهة أخرى للنفاق الاجتماعى والتشريعى لسلطة دينية أبوية تحكم قبضتها ببرجماتية تامة على المجتمع المصرى باسم الشرعية وصندوق الانتخابات!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق