الاثنين، 8 أكتوبر 2012

مصريون ضد المرأة

ماجد عثمان
عنوان هذا المقال ليس اسم حركة اجتماعية تعادى المرأة وليس أيضا اسم حزب سياسى للرجال ولكنه خلاصة لنتائج مسح ميدانى تم إجراؤه خلال عام 2008 حول القيم السائدة بين الشعب المصرى بواسطة مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار.

وقبل أن أسترسل فى نتائج هذا المسح الميدانى المتعلقة بقضايا المرأة أشير إلى أن هذا المسح تم إجراؤه بهدف التعرف على منظومة القيم والتى تشمل العديد من الأبعاد مثل الهوية القومية والدينية، قيم العمل، النوع الاجتماعى، قضايا البيئة، ودور الدولة. ولعل أهم ما يميز هذا المسح الميدانى أنه جزء من المسح العالمى للقيم الذى بدأ إجراؤه فى بعض الدول الأوروبية فى بداية الثمانينات واتسع نطاقه الجغرافى ليشمل نحو 90 دولة يتم إجراء هذا المسح الميدانى بها.

تم إجراء هذه الدراسة باستخدام مجموعة من الأسئلة المدروسة بعناية مما يسمح بعقد مقارنات دولية بين الشعوب المختلفة باستخدام نفس أداة القياس. ومن ناحية أخرى فإن تكرار هذه الدراسة يسمح بالتعرف على اتجاهات التغير فى منظومة القيم، وهو ما نحتاجه بشدة فى مصر فى ضوء المؤثرات الثقافية التى يتعرض لها المجتمع المصرى والتى لا ندرى على وجه اليقين نتائج التفاعل بينها وبين الشخصية المصرية.

●●●

وقد اشتمل هذا المسح الميدانى على عدد كبير من الأسئلة منها ثلاثة أسئلة استخدمت بواسطة علماء الاجتماع كمؤشرات لقياس مدى إيجابية نظرة المجتمع للمرأة. أول هذه الأسئلة كان يقيس درجة الموافقة على العبارة التالية: «عندما تقل فرص العمل، يجب إعطاء الأولوية للرجال فى الحصول على وظائف عن النساء».

وجاءت نسبة المصريين الموافقين على هذه العبارة 89% والملفت للنظر أن نسبة الموافقة كانت مرتفعة بين الجامعيين (84%) وهو ما يشير إلى أن نظام التعليم لم يكن له تأثير إيجابى على اتجاهات وسلوك المواطن المصرى ولم يصل به إلى القناعة بأن الكفاءة يجب أن تكون عامل هام فى إسناد الوظائف.

وكما ذكرت فى بداية المقال فإن هذه الدراسة تم تنفيذها فى عدد كبير من دول العالم والملفت أن نسبة الموافقة فى مصر على هذا السؤال كانت هى أعلى نسبة على الإطلاق بين الدول التى طبقت بها هذه الدراسة. وكانت نسبة الموافقة على إعطاء الأولوية للرجال فى الحصول على الوظائف عن النساء 69% فى إيران و53% فى تركيا و51% فى المغرب والهند و42% فى الصين و22% فى البرازيل وهى كلها دولا نامية وبعضها دولا بها أغلبية مسلمة.

وقد تكرر نفس النمط لتتصدر مصر المركز الأول فى نسبة الموافقة على العبارة التالية: «بشكل عام الرجال أفضل من النساء فى تنفيذ الأعمال»، حيث ذكر 63% من المصريين أنهم يوافقوا على هذه العبارة بشدة. وإذا نظرنا إلى دول العالم النامى لوجدنا أن هذه النسبة كانت 39% فى الأردن و25% فى المغرب و21% فى إيران و20% فى الهند و10% فى تركيا و5% فى الصين والبرازيل.

وبالمثل عندما تم استطلاع رأى المواطنين حول العبارة «دور الزوجة كربة منزل يشعرها بالرضا تماما كما لو كانت تعمل خارج المنزل بأجر» جاءت نسبة الموافقة فى مصر الأعلى بين دول العالم (التى أجريت فيها الدراسة)، حيث وافق 66% على هذه العبارة بشدة مقابل 50% فى الأردن و25% فى المغرب و24% فى تركيا و22% فى الهند و12% فى كل من الصين والبرازيل.

●●●
والسؤال الذى يفرض نفسه عند قراءة هذه الأرقام هو لماذا يقف المصريون هذا الموقف المعادى لدور المرأة فى الحياة العامة مقارنة بشعوب أخرى ربما لم تشهد نماذج نسائية مضيئة شهدتها مصر على مر العصور. وكيف استطاع المصريون محو رموز نسائية كان لها بصمات فى الحياة العامة على مر العصور منذ العصر الفرعونى ومرورا بالعصر الإسلامى وانتهاء بالتاريخ الحديث. وكيف وصموا المرأة بأنها لا تصلح لتقلد العديد من الوظائف على الرغم من نماذج مشرقة لمصريات تقلدوا وظائف هامة وحققوا فيها نجاحات لا يمكن إنكارها.

ربما يفسر ذلك أن الحديث عن تمكين المرأة طوال العقود الأخيرة ارتبط فى أذهان الناس بأجندة خارجية. وساهمت الحساسية المفرطة لكل ما هو «فكر غربى» فى إطلاق العنان لنظرية المؤامرة وكان رد الفعل الشعبى هو رفض كل ما ارتبط بحديث تمكين المرأة وعدم الرغبة أو القدرة على فرز الغث من الثمين. واستقرت فى أذهان الكثيرين علاقة بين الحديث عن تمكين المرأة والعداء للإسلام ومحاولة الآخر لهدم المجتمع الشرقى والعبث بقيمه ونشر الانحلال فيه. كما ساهمت مسحة الطبقية والنخبوية التى اكتست بها الحركة النسائية فى بناء جدار من العزلة بين القائمين على الحركة النسائية وبين النساء البسطاء. وفى النهاية، لم تجد المرأة المصرية البسيطة فى تشكيلات المجالس والمنتديات التى تتحدث عن قضايا المرأة من يشبهها وبالتالى لم تر فى هذه المجالس سوى «هوانم جاردن سيتى».

●●●

وفى ظل هذا المناخ غير الصحى غابت قضايا مهمة تواجه المرأة المصرية ترتبط بكرامتها وإحساسها بالأمان فى الشارع وفى وسائل المواصلات العامة وفى الأسواق. وعلى كل مصرى أن يطأطئ رأسه خجلا من حوادث التحرش التى تتعرض لها المرأة المصرية بل والفتاة المصرية. وقد شعرت بالأسى عندما استمعت إلى تحليل لهذه الظاهرة يتضمن أن التحرش يتوقف خلال شهر رمضان وأنه يبدأ فورا مع بداية عيد الفطر وهو ما يعطى انطباعا بأن هذه الظاهرة الكريهة أصبحت تتم بشكل ممنهج.

وحالة عدم المواجهة الصارمة لهذه الظاهرة يشير بلا شك إلى ازدواجية فى الشخصية المصرية. فتفسير رفض كل ما يرتبط بتمكين المرأة ينبع من منهج محافظ جذوره دينية لا يقبل إنصاف المرأة خوفا على قيم المجتمع. وفى نفس الوقت، يتم السكوت عما تتعرض له المرأة المصرية من تحرش علنى اكتفاءً فى مواجهة المنكر بأضعف الإيمان. وهذه الازدواجية فى التعامل مع المرأة تمس مشكلات أخرى تواجه نساء مصريات منها عدم تطبيق الشرع فى توريث المرأة أو الجور على نصيبها من الميراث وأيضا تجاوزات فى تطبيق الأحوال الشخصية.

●●●

كثير من المصريين يرون أن قضايا المرأة المصرية ستشهد مزيدا من التراجع فى ظل نظام حكم ذى مرجعية إسلامية ويقولون إن كل الوعود التى أُطلقت فى هذا الصدد ليست سوى أحاديث مرسلة لا تسمن ولا تغنى من جوع. ولكن هل يفاجئنا الرئيس ويخرج علينا بسياسات تستجيب لمعاناة المرأة المصرية وتنبع من البيئة المحلية، سياسات لا تعتمد بالضرورة على حلول مستوردة ولكنها لا تستحى فى الوقت ذاته من الاستفادة من الخبرات الدولية، سياسات تفجر طاقات المرأة للبناء والتنمية وتحافظ على كرامتها وتحقق لها الأمان.

والمصريات أيضًا ضد المرأة


تناولت فى مقال سابق نتائج المسح العالمى للقيم الذى تم إجراؤه عام 2008 فى عدد كبير من دول العالم ومن ضمنها مصر والذى أشارت نتائجة إلى النظرة السلبية للمصريين للدور الذى يمكن أن تقوم به المرأة فى الحياة العامة.

ونظراً لأننى تلقيت الكثير من التعليقات من القراء الذين أطلعوا على مقالى رأيت من المناسب أن أسترسل فى مناقشة الموضوع لإلقاء مزيد من الضوء حول الأسباب المحتملة لهذا التوجه وانعكاساته على المجتمع المصرى. وسأبدأ بالإشارة إلى نتائج عدد آخر من استطلاعات الرأى العام والتى تتضمن تفاصيل أكثر حول نظرة المجتمع لدور المرأة فى المجال العام.

فى مجموعة من استطلاعات الرأى العام التى أجريت عام 2009 بواسطة مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار أظهرت النتائج أن أكثر من نصف المصريين يرفضون تقلد المرأة لعدد من المناصب التى كانت دائماً مناصب ذكورية مثل منصب العمدة (74%) ورئيس الجمهورية (65%) والمأذون (60%) والمحافظ (52%) والقاضى (50%).

وتبدو المفارقة فى أن نسبة من يخشون على منصب العمودية من المرأة تفوق نسبة من يخشون على منصب رئيس الجمهورية من المرأة.

وفى المقابل فإن درجة الرفض تقل فى حالة الوظائف التى شغلتها المرأة فعلاً مثل منصب الوزير (نسبة الرفض 22%) وعضو مجلس الشعب أو الشورى (22%) وعضو المجلس المحلى (17%).

●●●

ويفسر ذلك بأن المصريين ربما يرفضون تولى المرأة لمنصب تمارس فيه القيادة ولها الولاية على آخرين بدءاً من مستوى رئيس الجمهورية حتى منصب العمدة ومروراً بالمحافظ والقاضى والمأذون. والتفسير الإضافى ربما يتصل بالموافقة على إبقاء المرأة فى المناصب التى تعودنا على وجودها فيها مثل منصب الوزيرة وعضوية مجلس الشعب والشورى وعضوية المجلس المحلى دون السماح لها بتولى قيادة فريق سواء كان الفريق الذى يدير الدولة أو الفريق الذى يدير القرية.

كما لا يمكن أن نفصل بين كل النتائج التى أوردناها وبين حصيلة أداء المرأة المصرية فى انتخابات مجلس الشعب والشورى سواء فى ظل نظام يُروج لتمكين المرأة أو فى ظل يتحفظ فى فتح المجال العام أمامها. كما لا يمكن أن نفصل بين اتجاهات الرأى العام السلبية نحو قيام المرأة بدور فى الحياة العامة وبين التجاوزات التى تحدث فى التعامل معها فى الشارع وفى وسائل المواصلات والتى تعدت كل الحدود.

●●●

وفى سياق آخر، قام المركز المصرى لبحوث الرأى العام (بصيرة) باستطلاع للرأى العام حول اختيار نائبة لرئيس الجمهورية. وأوضحت النتائج أن 55% من المصريين يوافقون على أن تشغل المرأة منصب نائب الرئيس. وهذه النتيجة تبدو جيدة مقارنة بنسب الموافقة على شغل وظائف أخرى. ولا ندرى هل غموض صلاحيات منصب نائب الرئيس يجعل الذين لا يؤمنون بقدرة المرأة على القيام بدور فى العمل العام يتغاضون عن موقفهم المتشدد؟ أم أن الالتزامات التى وعد بها مرشحو الرئاسة لإنصاف المرأة بمنصب نائب الرئيس ــ والتى يبدو أنها ما زالت تحت الدراسة ــ قد ساهمت فى إحداث تحول إيجابى شعبى يقبل بأن تشغل المرأة وظيفة نائب الرئيس.

وأظهرت النتائج وجود تباينات بين الشرائح الاجتماعية المختلفة من الإناث وكان التفاوت الأكثر وضوحاً هو الفارق بين المستويات التعليمية المختلفة. وقد بلغت نسبة موافقة خريجى الجامعات على شغل المرأة المصرية لهذا المنصب الرفيع 66% مقابل 54% للحاصلات على شهادة متوسطة ومقابل 46% للأقل تعليماً. كما كان هناك فارق كبير بين موافقة المقيمات فى الحضر (59%) والمقيمات فى الريف (49%). إلا أن اللافت للنظر كان فى عدم وجود فارق يذكر بين الأجيال، حيث كانت نسبة الموافقة بين اللاتى تجاوزا الخمسين سنة 52% وفى المقابل لم تتجاوز نسبة الموافقات من الشابات دون الثلاثين 57% وهو فارق بسيط يدعو إلى مزيد من التحليل لقيم الشباب التى أصابها الهرم وغاب عنها الحيوية والتفتح والطموح والثقة بالنفس التى يفترض أن يتمتع بها الشباب.

إلا أن المفاجأة غير السارة فى نتائج هذا الاستطلاع كانت فى نسبة اللاتى يوافقن على أن تشغل المرأة منصب نائب الرئيس. فقد بلغت نسبة الموافقة 54.6% بين الإناث وهى نسبة تقل قليلاً عن نسبة الموافقة بين الذكور وهى نتيجة تثير الدهشة، وتعطى إحساساً بأن نسبة عالية من الإناث لا يثقن فى قدرات المرأة على التصدى للعمل العام ولعب دور محورى فى المجال العام. ويتصل بذلك نتائج دراسة أخرى أجريت عام 2008 للتعرف عما إذا كانت المرأة العاملة تُـفـضل أن يكون رئيسها المباشر فى العمل رجلاً أم امرأة. كانت نسبة العاملات اللاتى يُفضلن رئيسا مباشرا رجلا أكثر من ثلاثة أضعاف العاملات اللاتى يفضلن أن يكون رئيسهن المباشر امرأة. ولا يمكن أن نفصل بين هذه التوجهات الكامنة داخل المرأة المصرية والنظريات الاجتماعية التى تفسر الديناميكية القائمة بين أفراد الجنس الواحد مقارنة بالديناميكية القائمة بين الجنسين والتى لا يتسع المجال للخوض فيها.

●●●
ولكن من المهم ألا يدفعنا ذلك إلى المضى فى برنامج مستنير لمراجعة أوضاع المرأة، يتجاوز الإحسان إلى التمكين وينتقل من التعاطف اللفظى إلى التحرك العملى. وهنا نشير إلى أهمية دور الإرادة السياسية للنخب الحاكمة فى إحداث تحول ثقافى فى الاتجاه الصحيح، كما نشير إلى أن الزعامات التاريخية هى التى تقود الجماهير إلى الأمام بدلا من أن تلهث وراء الجماهير إلى الخلف.

\فهل تفاجئنا القيادة السياسية وتُحدث قفزة إلى الأمام فى ملف المرأة يأخذ فى الاعتبار معطيات العصر ولا يتجاهل حاجة المجتمع المصرى الماسة لكل الخبرات والقدرات. ويأخذ أيضاً فى الاعتبار حاجة المسلمين فى كل مكان فى العالم إلى نموذج حضارى يحترم الجانب الحقوقى ويُكرس المدخل التنموى ولا يتردد فى طرح اجتهادات جيدة ولا يخشى من مزايدة الآخرين. وهو ما يجب أن تقدمه جماعة الإخوان المسلمين وقد اتيحت لها أول فرصة فى تاريخها لتولى مقاليد الحكم.

ويجب ألا يغيب عن الجميع أن مصر وإن كانت مثقلة بالأعباء إلا أن نجاح أى نموذج حضارى أو فشله فى مصر يتجاوز تأثيره حدودها الجغرافية
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger