الثلاثاء، 1 مارس 2011

شعوب راقية متحضرة لا تستحق ان يحكمها ساديون يتلذذون بقتلها


ا. د. علي الهيل (كاتب قطرى)


بالكاد وبدون استثناء، يبدو ان ثمة قاسمين اعظمين مشتَركين، وهما في الوقت نفسه اخالهما يشكلان خصوصية جيو سياسية مشتركة بين كل الدول العربية، التي حدثت فيها الثورات الشعبية حتى الان، وهي (حسب التسلسل الثوري) تونس ومصر واليمن والبحرين وليبيا. اولُ هذين القاسمينِ انَّ هذه الدول بما فيها ليبيا (وان بدا غير ذلك للبعض) قلاع ومعاقل تقليدية للولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الاوروبي ـ بنسب متفاوتة ـ ومن خلالهما (اسرائيل) بطبيعة الحال واحيانا (اسرائيل) بصورة مباشرة . وثانيهما ان المطالب (لا نقول تكاد) بل هي فعلا وواقعا وهتافا مطالب واحدة، الى درجة ان المرء يمكن له ان يختزل الثورات الخمس تحت عنوان (الثورة العربية).
وحتى السلوكيات الحضارية تجاه نظافة البيئة مثلا كانت متطابقة في الثورات الثلاث. فقد وضع الشباب الراقي المتحضر في تونس انموذج تنظيف المدن، فاقتدى بهم الشباب في مصر فالشباب في ليبيا، الذين قاموا بتنظيف مدينة (بنغازي) مما دفع الكثيرين للقول: انهم لم يَروا المدينة قطُّ بهذا المستوى من النظافة.
لا شك ان الثورة التونسية حملت المشعل واوقدت الشرارة من جسد (محمد البوعزيزي) القائد الملهِم، وشرَّعت الباب امام الثورات الشعبية العربية، وفتحت ابواب جهنم على وكلاء (اسرائيل والغرب) في تونس ومصر واليمن والبحرين وليبيا، وجرأت الجماهير العربية الشابة الراقية النبيلة المتحضرة على كسر حاجز الخوف لديهم ولدى سواهم من مأموري بلديات (يُظنُّ انهم عرب) ينفذون اجندة الغرب و(اسرائيل)، بل ان القذافي السادي السَّيكوباث واولاده الساديين وتفننهم وتلذذهم بقتل من يُفترض ان يكونوا ابناء جلدتهم وشعبهم، فاقوا في اسبوع واحد سادية (اسرائيل) في حربها على غزة، وسادية الولايات المتحدة الامريكية في حربها على العراق وافغانستان. لقد اثرت الثورة الشعبية التونسية (البوعزيزية) في الثورة المصرية، وان لم نجازف بالقول ان الثورة الشعبية المصرية استنسختها، فهي في الحد الادنى استلهمتها، وهذه وتلك اثرتا في الثورة اليمنية والبحرينية والليبية، وزال بسبب ذلك ديكتاتوران عتيدان عنيدان وما تبقَّى من نظاميهما يتلاشى الان تدريجيا، وما اليمني والبحريني والليبي فهم ينتظرون ادوارهم، او هم في حكم المنتهين.
ولمَّا كان لكل دولة عربية، قاد الشباب فيها ثورة التغيير، خصوصية من حيث البنية الثقافية، بحكم البناء السوسيو تاريخي ومعطياته، التي تتفرع عنها خصوصيات اخر، من اهمها: خصوصيات جغرافية وديمغرافية وسياسية واقتصادية واجتماعية، فقد تباينت اشكال تعاطي الداخل والخارج معها ايجابا او سلبا. وللتوضيح نركز على الحالة الليبية التي ما تزال ثورة الشباب تفور وتمور. لم يواجه القذافي ثورة الشباب منذ اول يوم لها وهو السابع عشر من شباط (فبراير) بالطرق التقليدية، كما في تونس ومصر واليمن والبحرين، بخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع وبالرصاص الحي احيانا، بل قمعها بالرصاص الحي بكثافة ودائما، وبالقصف من الطائرات وباستعمال قذائف الدبابات ورشاشات الكلاشينكوف والـ RBJ وغيرها من الاسلحة الثقيلة، واستقدام مرتزقة افارقة باعداد كبيرة، مما استدعى تجاوبا داخليا وخارجيا اسرع مما حدث في الثورات الاربع الاخرى، وان كان الرصاص الحي استعمل في تونس ومصر واليمن والبحرين، ولكن بشكل اقل بكثير منه في ليبيا، وان كانت السادية كذلك واضحة ولكن بدرجة اقل. تمثل ذلك اذن في الاستقالات الداخلية لوزراء مهمين وقريبين من عصابة القذافي كوزير الداخلية ووزير العدل، وتمرد كثير من الجنود والضباط ورجال الامن والطيارين والسفن البحرية وانضمامهم الى ثورة الشعب. وخارجيا استقال الكثير من السفراء والدبلوماسيين، لا سيما في مراكز مهمة كواشنطن ولندن وباريس والامم المتحدة وبروكسل، احتجاجا على مجازر القذافي واستعانته بالمرتزقة والانكشاريين على قتل ابناء شعبه حفاظا على كرسيه.
بَيدَ انه يتضح من جانب اخر، ورغم تلك الخصوصيات الموضوعية (اي الواقعة خارج نطاق العقل الفردي الذاتي) او العامة بمعنىً اخر، ان تتابع الثورات الشعبية العربية كقِطع الدومينو وتمخُّضَها عن الهدف الاهم وهو ازالة النظام، تدل على انصهار كل تلك الخصوصيات في خصوصية الفكر الجمعي العربي المتولد عن الاشتراك في الهموم نفسها، التي عبرت عنها مطالب الشباب العربي: ازالة الديكتاتور ونظامه برُّمته ورِمَمِهِ والمطالبة بالحرية، وبديمقراطية حرة ونزيهة، وبالتعبير عن الرأي وبالعدالة وبفرص العمل، وبمدنيةِ الحياة وبوقف القمع.. الخ، وكأنهم في بلد واحد وفي ميدان عربي واحد للتحرير والتحرر.
في رأينا ان تلك ارهاصات تبشر باحتمالات اقامة وحدة عربية في المستقبل، او على الاقل ستسهل حدوثها. وهذا هو بالضبط مكمن سر تخوف الولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الاوروبي و(اسرائيل) من ديمقراطية حرة ونزيهة في تونس ومصر واليمن والبحرين وليبيا، التي اسقطت ثورات الشباب الشعبية انظمتها الديكتاتورية الموالية لها والضامنة لامن (اسرائيل)، وهذا هو الاهم على حساب تطلعات شعوبها. ان اي ديمقراطية في هذه الدول المتحررة ستكون خطرا عليها وتهديدا حتميا لمصالح الغرب في الوطن العربي، على غرار ديمقراطية (حماس) التي وصفها الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر، رئيس المراقبين الدوليين بانها من انظف وانزهِ الديمقراطيات في العالم، ستُقاطع حتما لانها وكما رأت (اسرائيل) وحلفاؤها الغربيون في ديمقراطية حماس مع اقتناعهم بتقييم الرئيس كارتر لها بانها كانت حرة ونزيهة تمت مقاطعتها ومحاصرتها، فان هذه الديمقراطيات الجديدة التي (ستكون ان شاء الله) ستلاقي المصير نفسه، لانها لن تكون حارسة لامن (اسرائيل)، وبالتالي لن تخدم اغراض الغرب وغاياته.
وان كل المؤشرات تدل من الان على ان (اسرائيل) والولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الاوروبي لن تسمح حتى بحكومات ديمقراطية في هذه الدول حسب النموذج التركي المتمثل في حكومة (حزب العدالة والتنمية ـ اردوغان/ غل). وكان ذلك واضحا من خلال تحفظهم على دعم الثورة الشعبية العربية، ولكن مع ارتفاع سقف مطالب الشباب اضطرت دول الغرب وعلى رأسها الادارة الامريكية، من باب رفع الحرج امام شعوبهم ودفاعا عن ادعائهم بالديمقراطية وحقوق الانسان وتحت ضغط الرأي العام والشارع الغربي، اضطرت وعلى مضض لم تكن لتخطئه الاذُن، الى الطلب من حلفائها البائدين بالتجاوب مع مطالب الشباب والكف عن قمع المتظاهرين بعد تردد طويل. والغرب وان لم يكن ممانعا بدرجات متفاوتة من رحيل رؤوس الانظمة المتحالفة معها، كان حريصا على ابقاء الانظمة نفسه.
وثمة تسريبات ان (اسرائيل) كانت تملي ولما تفتأ تملي لصالح من تبقى من حلفائها المفروضين عنوة على الشعوب العربية من خلال الايباك ولوبياتها في الغرب عموما، واحيانا مباشرة من (اسرائيل) ذاتها على المواقف الامريكية والغربية. والهدف هو لابقاء بن علي ومبارك وصالح والقذافي وخليفة بن سلمان، او ان لم يكن ذلك متاحا فليعمل الغرب على اطالة امدهم في الحكم او على الاقل الحفاظ على انظمتهم، لانهم وانظمتهم متواطئون مع (اسرائيل) حرصا على امنها وبالتالي على ديمومة واستدامة واستمرارية اتفاقية كامب ديفيد مع مصر/ مبارك ووادي عربة مع الاردن.
ولعلَّ ما يعرفه العرب جماهيرا وشوارع وما يعرفه الحكام (وان لم يصرحوا بذلك) عن مِكيافيلية ونفاق وسياسة الكيل بمكيالين والمعايير المزدوجة في ما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الانسان، التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الاوروبي، خاصة بريطانيا وفرنسا والمانيا، اكدته الثورات الشعبية العربية وكرسته بشكل واضح في تونس ومصر واليمن والبحرين وليبيا وغيرها من البلاد العربية التي يضع شاباتها وشبابها مشاريع ثورات شعبية في المغرب والجزائر والسعودية والكويت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger