الثلاثاء، 15 فبراير 2011

وزارة شفيق عبء على الجيش والشعب معا


جمال سلطان (المصريون) | 15-02-2011

شعرت بالتعاطف الشديد والتضامن الكامل مع المتحدث باسم المجلس الأعلى للقوات المسلحة في بيانه السادس الذي ألقاه ظهر أمس الاثنين يحذر فيه من خطورة ظاهرة الاعتصامات والإضرابات التي انتشرت في عموم المصالح الحكومية على مدار اليومين الماضيين ، المجلس أمام مسؤولية ضخمة لبلد كبير متشعب الهموم والمتاعب وتمتد احتياجاته إلى أكثر من خمسة وثمانين مليون مواطن ، وجد نفسه فجأة مسؤولا عن هذا "الإرث" كله لمدة ستة أشهر ، ناهيك عن أنه إرث مخرب وشبه مدمر عمدا من النظام السابق ، وعلى المجلس الأعلى أن يدير الأمور بكفاءة حتى يسلم الأمانة إلى أول حكومة منتخبة منذ ستين عاما خلال المدة التي التزم بها ، وقد لاحظت أن المجلس ينتقي عباراته وكلماته بدقة عالية ، وباحترام وتقدير واضح لأهلهم وإخوانهم من قطاعات الشعب المختلفة ، وعلى الرغم من الحرج الشديد الذي مثلته ظاهرة الاحتجاجات والاعتصامات إلا أن لغة البيان كانت غاية في الروعة بدعوة الشعب إلى تحمل مسؤوليته ، لم يلجأ البيان إلى أي كلمة أو عبارة تحمل التهديد أو الوعيد .

على الجانب الآخر ، وجدتني في نفس اللحظة متعاطفا بشدة مع أصحاب تلك الاعتصامات والاحتجاجات ، وعندما استمعت إلى مطالبهم وجدتها كلها سليمة وحقيقية ولهم فيها كل الحق ، والمشكلة الوحيدة هي في التوقيت ، لأن كل تلك المرارات فتحت دفعة واحدة ، في وقت واحد ، مما يربك دولاب العمل في مؤسسات الدولة ، إنها مرارات السنين ، وتراث القهر والكبت والتهميش والإذلال في مختلف إدارات الدولة ، تفجرت وطفحت عندما رأت "رأس الباطل" يتهاوى ، وإرادة الشعب تنتصر ، والبلد تعود لأبنائها من جديد ، كل خلية في بر مصر كانت مريضة ، كانت تتأوه ، كانت تشتكي مر الشكوى في مطويات نفوسها ، الآن مصر تخرج شكواها ، وكل خلية في جسد الوطن تعود إلى الحياة من جديد .

والحقيقة أن حل هذه المعضلة ، تستدعي من المجلس الأعلى سرعة التحرك باتجاه تشكيل حكومة إنقاذ وطني جديدة ، من شخصيات لها احترامها ومصداقيتها ونزاهتها وقدرتها على الحركة السريعة والقرب من الناس وليس التعالي عليهم ، لم يلوثوا بنفاق أو ارتزاق من العهد السابق ، يوكل إليهم إدارة شؤون مصر خلال المرحلة المقبلة ، وكل وزير يضم إلى جدول عمله اليومي تنظيم لقاءات مع كل الإدارات والمؤسسات التابعة لوزارته ، يجتمع مع العمال والموظفين أو يزورهم في مواقعهم ، ويستمع إلى شكواهم في تلك اللقاءات بدلا من أن توصد أمامهم كل الأبواب فيتظاهرون أمام الوزارات وفي الشوارع ويضطرون إلى الاعتصام ، ويضع كل وزير برنامج عمل سريع لحل الإشكالات العاجلة ، ورد المظالم الأكثر إلحاحا ، وتوضيح ما يحتاج منها لبعض الوقت أمام العاملين ، وعلى كل وزير أن يسارع بتنظيف وزارته من القيادات الكريهة التي مثلت رموزا للظلم والتجبر والإذلال لأن كثيرا من الوزراء ما زالوا يتمسكون بقيادات من أفسد خلق الله ومعروفة بالاسم والتاريخ وهو ما يستفز الناس أكثر ، فعلى الوزير أن يستبدل بهم قيادات جديدة لها قبول عند العاملين ومشهود لهم بالكفاءة والنزاهة ، وغالبا ما يكونون معروفين بالاسم في كل مؤسسة ، ولكنهم مهمشون ، لأنهم شرفاء ، ولو صح العزم وتم تشكيل تلك الحكومة الجديدة الأكثر حيوية وجدية والمقطوعة الصلة بالعهد البائد ، المرتبط في خيال المصريين بالظلم والنفاق ونهب المال العام ، فإن الأمور ستنضبط وتختفي سريعا تلك التظاهرات والاحتجاجات العمالية والوظيفية .

مشكلة أحمد شفيق رئيس الوزراء الحالي أنه ما زال يعيش بخياله وصداقاته وخبراته في أجواء عصر مبارك ، وأثبت بصفة متكررة عجزه عن إدراك واقع مصر الجديد ، وسوء اختياره الفج للوزراء الجدد ، وجاءت اختياراته للوزراء الجدد من أسوأ ما يمكن ، فوزير الزراعة مثلا يختاره من تلاميذ وسكرتارية يوسف والي ، أسوأ وزير زراعة في تاريخ مصر فكان أول قراراته تصعيد عدد من القيادات المتهمة بالفساد ويتم التحقيق معها في جهات رقابية ، ووزير التعليم العالي الذي أشعل حرائق الغضب في جميع جامعات مصر وهيج آلاف الأستاذة واتهم علنا بالفساد وإسقاط أحكام القضاء يتمسك به ثم يضيف إليه وزارة التعليم ، هذا سفه حقيقي وإحراج متعمد للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ، ووزير الإعلام أنس الفقي أسوأ وجوه النظام السابق ، يظل متمسكا به حتى اللحظة الأخيرة بل ومدافعا عنه ومبررا لطرده من الوزارة بأنه هو الذي استقال ، بمعنى أنه إذا لم يستقل فقد يكون باقيا ، مع أن طوب الأرض اشتكى من انحرافه وفجوره وفشله الذريع في إدارة الإعلام الرسمي ، وعندما أراد أن يختار بديلا له ذهب إلى عماد الدين أديب رجل الأعمال المقرب من الرئيس مبارك وأسرته والذي ظل يهاجم الثورة هو وأخوه وزوجته حتى اقترب النظام السابق على الغرق فقفز ، وقد رأيت بنفسي كيف كانت الحشود تطارد وتطرد شقيقه عمرو من ميدان التحرير قبل سقوط النظام .
أحمد شفيق ليس ابن المرحلة ، ولا هو رجل تلك اللحظة ، وأتصور أن بقاءه لفترة أطول سيسبب مشكلات كبيرة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ، هو عبء حقيقي على الجيش وعلى الشعب معا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger